نفر من الجن
الهلاوس الرئيسية في ذهان النبوة تكون سمعية في الغالب وتحدث الهلاوس البصرية في مرات قليلة مقارنة بالسمعية ويكون ذلك في نوبة انفعال عاطفي شديد أو في حالة تأرجح حاد في المزاج كما حدث في سورة النجم مع محمد حين كانت الهلاوس البصرية على شكل رؤى ظهر فيها الوثنخاف عند خط الأفق الأعلى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى. وفي نفس اللحظة حدثت له ذكرى هذيانية حيث يشعر المريض أن هذا المشهد مألوف وقد رآه من قبل : ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى – تذكر فجأة أنه قد رأى الوثنخاف الذي يظهر له عند خط الأفق ثم يقترب في مكان آخر هو سدرة المنتهى عند جنة المأوى.
كان الأمر محيرا للمفسرين الأوائل الأكثر علما باللغة وبالقرآن في تفسير نزلة أخرى. لو أن سورة النجم نزلت بعد سورة الإسراء لما صعب عليهم الأمر لكن سورة النجم كانت مبكرة وترتيبها حسب النزول 23 وتم تأليفها قبل مشهد الإسراء بسنوات بينما سورة الإسراء كانت متأخرة وترتيبها حسب النزول 50. فكيف إذن كان ساجع القرآن قد رأى الوثنخاف نزلة أخرى غير مرة الأفق الأعلى عند سدرة المنتهى عند جنة المأوى؟ ومتى حدث ذلك؟
التفسير الوحيد يقدمه فقط الطب النفسي : هذه ذاكرة ضلالية. يتذكر المريض شيئا وكأنه حدث فعلا بينما الأمر بمجمله نشاط دماغي هلوسي زائف أوهمه أن ذلك حدث في الماضي وجعله يتذكره مثلما يتذكر الأحداث التي وقعت فعلا
هذه الذكرى الضلالية ظلت كامنة في دماغ المريض حتى أنتجت مشهدا هلوسيا آخر هو مشهد الإسراء الهلوسي. ولأن المذهون لا يمكنه حفظ الفواصل بين الأزمان ويختلط عليه الترتيب فقد فسر النزلة الأخرى فيما بعد بحادثة الإسراء
محاولة تفسير هذه الأمور تحت افتراض صحة الساجع عقليا تنتج فقط في تفكير سحري خرافي وتبريرات مضكحة وقصص مفبركة خرافية أغرب حتى من الخيال. فقط بأخذ حالة محمد العقلية بعين الاعتبار يمكن فهم القرآن فهما صحيحا بعيدا عن عالم الشعوذة والكهانة والتخاريف
فكرة الجن
كل من يسمع الجن أو يراهم أو يتحدث معهم يعاني من اضطراب نفسي من نوع ما. بعضها ذهاني وبعضها غير ذهاني. لكن لا يوجد شخص يسمع الجن ويكون سليما في تلك اللحظة . الجن كائنات خرافية وليست حقيقة لكنها صارت ثقافة مقبولة في الشرق الأوسط. ويقابلها عند بعض الشعوب فكرة أرواح الموتى التي تعود لإكمال غرض ما
فكرة الجن ظهرت لتفسير الهلاوس السمعية بشكل رئيسي. لم يكن الانسان القديم يعرف الطب النفسي وكانت هناك حالات ذهانية إذ يبلغ معدل الفصام فقط حوالي 1% من أي مجتمع. ولو كان يعيش في مكة مثلا عشرة آلاف شخص فإن هناك مائة فصامي فيهم. كلهم يسمع أصواتا تكلمه لا يسمعها غيره. ولتفسيرها يلجأ الناس للافتراض وكان أن افترضوا وجود كائنات تتكلم مثل البشر لكنها غير مرئية. ولأن الفصاميين مجانين بنظر الناس فقد سموها الجن : من الجنون. لأنهم اعتقدوا أنها هي التي اصابت مريضهم بالجنون. وكان هذا الاستنتاج البدائي عكسا للسبب والنتيجة. فالأصوات التي يسمعها الشخص وظنوها كلام الجن ليست هي من سببت له الجنون بل حدث خلل دماغي سبب له الاصوات التي هي عرض من اعراض هذا المرض
الساجع والأصوات
بدأ مرض الساجع بتدهور مزاجه وانعزاله عن الناس في مغارة بعيدة. ثم بدأ يسمع الشجر والحجر يكلمه. ومثل كل الذهانيين في زمنه آمن أن الجن هي التي تحدثه وتريد أن تصيبه بالجنون. توثق لنا سيرته الوحيدة المتوفرة لدى أتباعه – ولا يوجد لديهم دليل غيرها على كونه شخصية حقيقية وليس روائية – هذه البدايات النموذجية لكل مريض ذهاني
قال الساجع معترفا بلسانه عن بداياته
إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي : يا محمد ، يا محمد ، فأنطلق هاربا في الأرض
هذا مشهد نموذجي يصف ما يحدث تماما في بداية الاضطراب الذهاني : هلاوس سمعية يخاف منها المريض. تصوروا بدل أن يرى المرقعون الحقيقة ويعرفوا تشخيص الساجع يسمونها دلائل النبوة 😅😅😅. مثير جدا إلى أي مدى يمكن للمرء أن يخدع نفسه تحت تأثير التفكير الرغبوي
كان ايضا يسمع الحجر والشجر تكلمه. وهذه ايضا علامة ذهانية نموذجية في بداية المرض. وكان يخاف ويختبئ تحت البطانية ويقول زملوني دثروني. هذه ايضا علامة نموذجية
كما يحقق ما يسمونه في السيرة امتحان خديجة علامة أخرى. فالهلاوس التي هي أصلا نشاط دماغي في المراكز الحسية تختفي إذا حدث محفز حقيقي وأوصل نبضات عصبية لهذه المراكز حيث تزيح هذه النبضات النشاط الهلوسي وتحل محله لتعطي مدركات حقيقية. وفي اختبار خديجة كان الساجع يرى هلاوس بصرية ويرى كائنا مخيفا يطادره حيث لحقه عندما هرب جريا إلى البيت ودخل بعده. فتعمدت خديجة خلع ملابسها ووضع محمد على جسدها مما ولد إشارات حسية جنسية أزاحت الصورة وأنهت المشهد الهلوسي. الأحاسيس الجنسية من أقوى المدركات التي تهيمن على الدماغ لها وحدها خاصة عند شخص كمحمد نعرف من سيرته شبقه الجنسي حتى أن زوجته قالت له ما أرى ربك إلا يسارع لك في هواك وكان يباشر زوجاته وهن حائضات وحتى في أوقات الصيام كما وثق الفقه الاسلامي
ومرة أخرى بدل أن يرى المرقعون هذه الواقعة من نظر العلم والطب يسمونها امتحان خديجة للوحي ويعتبرونها برهانا على أن الهلاوس البصرية لم تكن هلاوس بصرية 😅😅😅. الدين أخطر أنواع الأفيون. كيف يصدقون أنه لو كان هناك فعلا كائن مرسل من الوثنخاف سيتصرف بهذه الطريقة؟ وأنه لن يظهر كشخص طبيعي يقدم نفسه بهدوء وأن محمد لن يتصرف ايضا كشحص طبيعي ويحاوره ويتعرف عليه بهدوء بل سيرعب من منظره ويهرب ويختبئ تحت البطانيات وهو يرتعش؟
لو عاش محمد في زمننا لشخصه طبيب الطوارئ من أول جلسة وتم إعطاؤه مضادات الذهان وعاش حياة طبيعية جدا
قامت خديجة وابوبكر الذي كان من أحناف العرب ومقتنعا بفكرة نبي آخر الزمن وورقة بن نوفل بإيهام محمد أن الصوت الذي يكلمه صوت ملك وليس صوت شيطان وعززوا هذيان الاصطفاء والاختيار وجنون العظمة لديه وكانت النتيجة ما نراه ونسمعه إلى اليوم
الهلاوس تبدأ أمنيات
حسب طبيعة الاصوات التي يسمعها قسم الساجع هلاوسه إلى قسمين : أصوات نسبها للملائكة واصوات نسبها للجن والشياطين. ساجع القرآن نسب الهلاوس المرعبة للجن وسماها ما يلقي الشيطان .بينما نسب الهلاوس المطمئنة إلى الملائكة وسماها آيات الله
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53)
وتظهر في هذه السجعية علامة مرضية مهمة تؤكد التشخيص : تتحول الرغبات الشديدة لدى المريض الذهاني إلى هلاوس حيث أن وظيفة الهلاوس هي تطمين وتسلية الملهوس وتحل الهلاوس محل أحلام اليقظة وتحقق للمريض كل الفانتازيا. ولذلك وبوصف دقيق شرح الساجع كيف تحولت أمنيته إلى إلقاء شيطاني. والإلقاء من الأسماء التي استخدمها الساجع لوصف الاصوات التي يسمعها : وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ. وفي سجعية أخرى : إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا – وصف دقيق جدا للهلاوس السمعية : نلقي قولا. ولذلك سمى الصوت الذي سمعه في حادثة الآيات الشيطانية بـــعبارة ألقى الشيطان في أمنيته. لا يمكن أبدا فهم القرآن بطريقة صحيحة إلا بفهم مرض واضطراب مؤلفه
هلاوس المريض الذهاني تبدأ كمخاوف أو كأمنيات. ولأن وظيفة الهلاوس هي معالجة رغبات المهلوس تتحول هذه الأمنيات إلى صوت. يقول المفسرون أن معنى تمنى قرأ وان معنى أمنية هي قراءة. لكن يبدو أنهم يقولون هذا من حيرتهم لاستخدامه كلمة تمنى. هم لا يعرفون آلية الهلاوس وكيف تنتج من الرغبة القوية والأماني الشديدة الملحة لاشعوريا لدى المصاب
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ
تصف سورة الجن مشهدا هلوسيا صوتيا نموذجيا. وتبدأ بشكل ممتاز لكل المتدربين الجدد في الطب النفسي:
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1)
قوله أوحي بصيغة المجهول تلخص عصارة معالجته لما سمعه وكيف فسره. ولأنه يؤمن أن الوحي خاصية يمتكلها فقط كائنان : الملائكة والجن فقد سمى أصوات الجن هنا وحيا. يقول مبينا اعتقاده بامتلاك الجن خاصية الوحي في سجعية أخرى
وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ – الانعام 121
ثم يصف ما سمعه بعبارة : قالوا. قول شيطان. لقد سمع صوتا ولم يكن هناك هلاوس بصرية هنا. فقط سمعهم قالوا. وهذا ما يحدث في الغالب إذ يسمع المريض صوتا فقط ولا يرى شيئا ولذلك ينسبه إما للجن أو للملائكة أو لاشياء أخرى كالموجات الكهرومغناطيسية أو الاقمار الصناعية في ايامنا هذه في محاولات المرضى لفهم ما يحدث لهم
سمع محمد أصواتا مطمئنة لكنها قالت له أنه اصوات الجن. ولذلك لم ينسبها للملائكة كعادته لأنها حددت نفسها له بوضوح. هذا ولد لدى الساجع فكرة أن بعض الجن صادقين. ولذلك عندما حاول تصنيف أقوال الجن الموحاة قال أكثرهم كاذبون وليس كلهم لأنه يؤمن أن بعضهم صادقين. كان ذلك نتيجة مباشرة لحادثة نفر من الجن
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223)
أكثرهم وليس كلهم. لاحظ أن الشياطين تنزل مثل الملائكة. وتلقي السمع مثل الملقيات ذكرا. وبعضهم صادقون
حادثة نفر الجن كانت حادثة فريدة. هي مشهد هلوسي غني جدا. دعونا نعيشه قليلا مع الساجع
مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا
يظهر لنا جليا أن هذه الأصوات نتجت ايضا عن أمنية ورغبات ملحة جدا وعن أفكار فانتازية حيث أعاد الساجع كثيرا من جدلياته مع قريش على لسان الجن. يظهر الساجع وهو يبحث عن دعم لادعاءاته ويرغب في مصدر لتأييده بعد أن خالطه الشك نتيجة تكذيب قريش لادعاءاته
يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا
صوت يؤكد له أنه لا يجوز إشراك آلهة قريش مع الله. الجن الذين كلموه بشر مثل أهل مكة تماما لهم آلهة متعددة لكن أهل مكة لم يقبلوا رغبته وأمنياته بالتخلي عن اصنامهم فقامت الهلاوس بتحقيقها في عالم آخر تعيش به كائنات تتحدث بالسجع وبلهجة قريش وتفكر مثلهم تماما لكنها وافقته في رغباته : إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته. ويضيف
وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا
ما دخل الجن بهذه الفكرة. فكرة أن الله ليس له صاحبة وولد؟ جاء هذا الصوت محققا أمنيته ايضا فقد سخر منه أهل مكة وقالوا له إن الملائكة بنات الله. ولأنه فشل هناك في إقناعهم جاءت الهلاوس السمعية لتحقق له ما تمنى في عالم الجن : إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته
ويتوالى تحقيق رغباته عن طريق الهلاوس في عالم الفانتازيا الشيطاني
وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا
ثم وافقته الأصوات على تفسيره لظاهرة الشهب مما رسخها لديه فقد حصل على اعتراف الجن أنفسهم
وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا
هذا التفسير الخرافي لم يعد يخفى اضطراب المعتقد به على أحد سوى عبدة الوثنخاف الذين يغالطون أنفسهم بمبدأ عنزة ولو طارت
ولماذا مقاعد للسمع وليس مقاعد للرؤية أو للمراقبة؟ مقاعد للسمع لأن هلاوسه سمعية بشكل اساسي. هو يسمع اصواتا. إذن هم يسمعون نفس الاصوات ايضا
نعرف الآن مواعيد الشهب وأماكن رؤيتها وزمن مشاهدتها وما زال البعض يصدق هذا التفسير الذي توهمه مضطرب ذهاني وسمعه من أصوات آمن انها اصوات الجن.
فمثلا بعد شهرين من كتابة هذا المقال سنرى سيل شهب داركونيد في نصف الكرة الشمالي بتاريخ الثامن والتاسع من أكتوبرالقادم 2021. يمكنكم مراجعة هذا الموقع لمعرفة التفاصيل وإمكانية مشاهدته من منطقتكم الجغرافية في الموعد المحدد. كما يمنكم ايضا رؤية مواعيد سيول الشهب الأخرى المستقبلية ايضا. الدين يجعل المؤمنين متبلدين ويجعلهم قابلين لاي ترقيع يدغدغ رغباتهم مهما كان سخيفا وكاذبا
وتوضح لنا بعض السجعيات الحالة المزاجية التي أنتجت هذه الفانتازيا التي حقق بها المذهون رغباته وخفف عن نفسه وقع الانكسار
وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19)
يتمحور المذهون حول نفسه. وهذا ما حدث هنا بالضبط. كل شيء يدور حول ذاته. حتى الجن قلقة عليه ومشفقة
ثم ينتصر على خصومه في هلاوسه وأوهامه
حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا
لغة السجعية واضحة ونفسية الساجع جلية هنا بشكل لا غبار عليه
لكن العبارات الوسواسية الاعتراضية تفرض نفسها. فبعد سجعية انتصاره انتبه أنهم قد يقولون له متى سيحدث هذا فقال مستبقا
قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا
ولأنه انتصر فعلا فيما بعد فقد تعززت لديه أوهامه وضلالاته اكثر وأكثر وآمن أن الاصوات كانت فعلا حقيقية. حدث هذا ايضا مع الخميني الذي كان مطاردا خارج إيران وكان يقول أن المهدي بلغه أنه سينتصر فلما انتصر صدق أوهامه وأوغل قتلا في معارضيه لأنه آمن أنه على الحق. لكن هذا لا يقتصر فقط على الكهنة فقد حدث نفس الشيء مع ستالين وهتلر ومع القذافي. يحققون النصر فيؤمنون بصدق أوهامهم وتتضخم الأنا لديهم ويعيشون جنون العظمة واقعا يبصرونه بأعينهم
حضور الاشباح
ضلالة الحضور وهي شعور المذهون بوجود كائنات غير مرئية ترافقه وتراقبه علامة ذهانية شائعة. وقد كابدها مذهون مكة ايضا. وقد خبرها بعدة صور منها وجود شخصين على الدوام رقيب وعتيد وأحيانا وجود كائن واحد سماه القرين وأحيانا وجود جن شريرة قال عنهم بالنص : أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ
ولأن سورة الجن عبرت عن مشهد هلوسي حي فقد تواجدت هذه العلامة. فقد شعر الساجع بوجود عدد كبير من الاشباح غير المرئية يمر من أمامه ومن خلفه ويسمعهم يسمع خطواتهم ويسمع اصواتهم. وكان لا بد له أن يفسر ما يدركه. من هؤلاء وما غرضهم وماذا يريدون. وخلصت به أوهامه إلى أنهم حراس شحصيون من السماء في اعتقاد هذياني من ضلالات المراقبة يصلح أن يكون مثالا نموذجيا لطلبة الطب النفسي
إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا
إنهم يرصدونه. وهكذا فعلوا مع كل الرسل. يرصدونه هو بالذات دون غيره من أهل مكة لأنه رسول. لاحظ كيف يعزز تفسيره لهلاوسه وضلالاته هذيان الاصطفاء والنبوة. هذه عملية فكرية نموذجية في المذهونين. يفسرون أعراضهم المرضية تفسير يعزز أوهامهم اكثر وأكثر
ويتابع التوضيح : هم يرصدونه لأن الوثنخاف الذي أرسله يحتاج للمعلومات عنه. يحتاج ليتأكد أنه قام بتبليغ الرسالة. لاحظوا كيف تقزم الإله هنا إلى مجرد إنسان يحتاج لجواسيس على من ارتضى من رسول. هكذا هو التفكير الذهاني تفكير حسي لا يمكنه إخراج الإله من صورة الانسان. ثم يأتي الاستدراك الذهاني الذي يظهر دائما نشازا ومناقضا ولا داعي له في كلام المذهون : وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا
الغرض من الرصد ليعلم أنهم بلغوا وليعلم أنه أحاط وأحصى كل شيء. منتهى الجنون. مما دفع المرقعين لبتر الجملة والادعاء أن السجعية من قوله وأحاط لا علاقة لها بما قبلها في كذب واضح على الذات ومغالطة للنفس تثير الشفقة
نفس هذا الاستدراك ظهر في سجعية سابقة من هذه السورة
وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)
عبارة لنفتنهم فيه بعد ماء غدقا. لم يكن لها أي داع ولا تعطي أية فائدة لولا أن فكرة الفتنة لاصقة بدماغه وتفكيره فقفزت لتوضح لنا أن الغرض من المطر هو الفتنة. رغم أن هذه الفكرة نشاز وتناقض ما قبلها لكنها قفزت وفرضت نفسها وصارت بلاغة وفصاحة وآيات محكمات ولسان عربي مبين
سلسلة المشاهد الهلوسية في سجعيات مذهون قريش
ملاحظة : الوثنخاف مصطلح لتسمية الإله الإبراهيمي. ويتكون من شقين الأول وثن وتعني كائن تخيلي يتم افتراضه وتخيله ثم اقناع النفس بوجوده. وهو كائن أخرس ابكم أطرش اصم لا يستطيع أن يقول حتى كلمة بم. والشق الثاني خفي. وتعني غير مرئي وذلك لتمييزه عن الأوثان المرئية مثل هبل والعزى ومناة الثالثة الأخرى
شارك الآن إن لم تكن قد فعلت من قبل في إحصائية اللادينيين
نزل الجزء الثاني من ذهان النبوة مجانا
التبرع للموقع
اضغط أدناه إذا أحببت التبرع للموقع عبر الباي بال او بطاقة الاعتماد
