حقيقة أم تجني – الشذوذ اللغوي في القرآن-3
يولد التلقين المبكر والإيمان الغيبي حالة ذهنية تجعل المرء يعمي عينيه عن الحقائق مهما كانت بينة ويؤمن بالأوهام والخرافة مهما كانت واضحة. هذا يجعله يظننا نتجنى على دينه ونتآمر عليه لنغويه ونحرقه في جهنم ولا يمكنه أن يرى أن ما نقوله حقائق مدعومة بأدلة علمية عكس ما يؤمن به غيبا وبشكل خرافي
عندما سمع أهل مكة القرآن لأول مرة قالوا عن مؤلفه إنك لمجنون. الشذوذ في لغة القرآن يؤدي حتما لهذا الاستنتاج إذا كان المستمع محايدا ولم يتم تلقينه مسبقا أن انتقاد القرآن حرام وعليه أن يؤمن غيبا أن غرابة ألفاظه منتهى البلاغة والفصاحة وإذا لم يفهم كيف هي بليغة وفصيحة فذلك لأنها فوق مستوى قدرته على فهمها كما درسوه.
لكننا كلادينيين نريد حقائق وأدلة نتأكد منها ونفحصها ولا نريد إيمانا أعمى وتصديقا بالغيب
غريب القرآن
لقد ألف المؤمنون مجلدات في غريب القرآن. وإذا لم تتنبهوا ما ذا يعني غريب القرآن فإنه يعني الشاذ من كلمات القرآن وتعبيراته. هذا دليل واضح على إدراك البعض للشذوذ اللغوي في سجع القرآن. ما ينقصهم هو أنهم لم يعرفوا أن هذا الشذوذ ليس سوى علامة للاضطراب العقلي ومؤشر حيوي لتشخيص الذهان. ابن قتيبة المتوفي سنة 276 هجرية لم يترك سورة من سور القرآن إلا وتطرق للشاذ فيها موردا المئات من الأمثلة على غريب القرآن أو بلغة الطب الحديث الشذوذ اللغوي الذهاني.
تكلمنا في الحلقتين السابقتين عن بعض أنواع الشذوذ في لغة القرآن. واليوم نتحدث عن نوع آخر شائع في لغة المذهونين وهو انخفاض التثبيط الاستباقي أو التثبيط للأمام.
انعدام التثبيط الاستباقي
خلل التثبيط الاستباقي هو ظاهرة معرفية تشير إلى الفشل في قمع المعلومات غير ذات الصلة أو المتداخلة التي قد تؤثر على توصيل المراد. على سبيل المثال ، قد يتحدث شخص عن مزايا تنظيم النسل فيقول : من المفيد لصحة الأم وسعادة الأسرة أن يكون عدد الأطفال قليلا فالأطفال زينة الحياة وهم يدخلون الفرح والسعادة للأبوين.
ففي هذا التعبير انجرف في ذكر معلومة مخزنة في ذاكرته عن الأطفال لا علاقة لها ببداية الحديث. لم يتمكن من قمعها فتدفقت في كلامه رغم عدم صلاحيتها للفكرة الرئيسية.
هذا االتعريف الطبي لهذا الشذوذ اللغوي بالانجليزية
Reduced proactive inhibition is a cognitive phenomenon that refers to the failure to suppress irrelevant or interfering information that may affect the performance of a task.
انعدام التثبيط الاستباقي في القرآن
والآن سأورد لكم بعض الأمثلة على هذا الشذوذ اللغوي في سجعيات القرآن. هذا الشذوذ الشائع في السجعيات هو السبب في كثيرمنها وراء بتر الجمل القرآنية أو الانجراف من مشهد لآخر أو عدم القدرة على البقاء في الصورة المجردة والانجراف إلى صورة حسية
من الأنعام أزواجا
يقول الساجع
جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
بدأ الساجع عبارته بالقول جعل لكم من أنفسكم أزواجا. القرآن يخاطب الرجال ويقول جعلنا لكم أزواجا من أنفسكم. أي إناثا تتزوجونهن. كلمة أزواج جلبت للذاكرة فكرة أن الحيوانات ايضا لها نفس الشيء. لكن هذا ليس مكانها. لأن الزوجة من النساء تتم معاشرتها جنسيا والإنجاب منها. فكيف يقول ومن الأنعام أزواجا في نفس السياق؟ هل هم يعاشرون إناث الأنعام كزوجات؟ جعلنا لكم من الأنعام أزواجا تعني جعلناها ذكورا وإناثا وهذا معنى لا علاقة له بسياق الكلام. نعم هي جملة صحيحة لكنها في سياق خاطئ.
الساجع لم يستطع كبح هذه الفكرة الطارئة فتدفقت في الكلام. ويظهر انعدام القدرة على تثبيط المعلومات الدخيلة ايضا في قوله يذرؤكم فيه. حيث لم يستطع المفسرون إلى يومنا هذا على الاتفاق على معناها. وعلى من يعود الضمير في قوله “فيه”. تدفقت في الكلام حيث لا مكان لها ولا معنى. ولا يوجد اي سبب لوجودها سوى أن قائلها مضطرب عقليا لا يمكنه التحكم بتدفق الافكار. ولا يوجد لها اي تفسير علمي سوى ذهان النبوة واضطراب التواصل اللفظي والشذوذ اللغوي .
عندما نتكلم عن شيء ما تتوارد على الذاكرة العاملة في الدماغ ذخيرة من الألفاظ تتعلق بهذا الشيء. يستطيع الشخص السليم انتقاء ما يلزم فقط وتثبيط ما لا يلزم منها. بينما يفشل المذهون في تثبيط ما لا يلزم فتندفع في الجملة وهي غير مطلوبة. فمثلا كلمة “طيور” ترتبط معها مفاهيم أخرى مثل (لديها ريش, تغرد, لها جناحان, تحلق … وهكذا). يستطيع الشخص السليم اختيار ما يلزمه وقمع الباقي بينما يفشل المذهون في قمع وتثبيط الكلمات والافكار المتورادة والمتداخلة.
ماء غدقا
قال الساجع
وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)
عندما قال وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا اكتملت الجملة ووضح ما يريد قوله وحصلت الفائدة. لو استقاموا سنغدق عليهم بالمطر. لكن فكرة اغداق المطر جلبت فكرة وفرة المحصول وزيادة الثروة. وهذه جلبت له فكرة التخاصم على الثروة. ولم يستطع أن يثبط هذه الفكرة الجانبية فقال : لنفتنهم فيه
أفسد الأمر برمته. لم تعد الاستقامة وسيلة لنزول المطر بل وسيلة للفتنة والتخاصم والويل والحروب. فسد المعنى المقصود بسبب عدم قدرته على كبح جماح تدفق الافكار الجانبية الطارئة كما يفعل الشخص السليم
أنكر الاصوات
قال الساجع
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِير
عندما قال اغضض من صوتك قفزت فكرة صوت الحمار العالي في سيل الافكار المتزاحمة فلم يتمكن من تثبيطها وكبحها فقال إن أنكر الاصوات لصوت الحمير وهي عبارة لا علاقة لها بالموضوع والرابط سطحي خفيف جلبه قوله اغضض من صوتك
هذا مثل معلم ينصح تلاميذه قائلا : ولا ترفعوا اصواتكم إن أجمل الاصوات هو صوت فيروز الملائكي الرائع. رابط سطحي خفيف لا علاقة له بالموضوع
إعصار فيه نار
يقول الساجع
أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ
يريد الساجع الذي لا يسألهم عليه أجرا أن يقول لأتباعه أن عدم إنفاق أموالهم في سبيل دعوته سيجعلها عديمة النفع كجنة احترقت وذهبت سدى.
لكنه لم يتمكن من توصيل هذه الفكرة البسيطة بسلاسة. وجرفته الافكار الطارئة بعيدا. ولم يتمكن من تثبيط الافكار عديمة الصلة أو عديم الجدوى من الورود على شكل ألفاظ.
قال جنة من نخيل وأعناب. إضافة النخيل والأعناب حولت المجاز إلى صورة حسية. الآن أي جنة أخرى من ثمار مختلفة مثل المانجو والرمان مثلا أو أي فاكهة أخرى ليست معنية ولا داخلة في الموضوع. التعبير فقد التعميم الذي يوفره المجاز وتقوقع في صورة حسية محدودة جدا محصورة بالنخيل والاعناب فقط
فكرة النخيل والأعناب قادته إلى الأنهار التي تجري من تحتها. الآن انحصرت الصورة أكثر بشرط وجود أنهار. إذا وجدت جنة مثمرة بدون أنهار تحتها فليست معنية
ثم فجأة الجنة التي كانت محددة من نخيل وأعناب صارت من كل الثمرات؟
ثم تأتي عبارة : واصابه الكبر. صار صاحب الجنة رجلا طاعنا في السن. وهذه هي الصورة النمطية في دماغ الساجع لرجل غني له بساتين دخلت في الخط ولم يستطع كبحها. إذا كان صاحب الجنة شابا فلا بأس عليه. من لم يكن كبيرا بالعمر فلا بأس عليه. صارت صورة محدودة جدا ومحصورة بكبار السن
ويتواصل المشهد: وله ذرية ضعفاء. من ليس له ذرية ليس معنيا. ومن له ذرية متمكنون غير ضعفاء ايضا نجا من الخطر
ويصل الساجع إلى المنظر الأخير من هذا المشهد الهلوسي: اصابها إعصار فيه نار فاحترقت. مرة أخرى اختار صورة نمطية محددة. كان يكفي أن يقول أن الجنة بارت. يبست. جفت. اي شيء
للكهنوت ادعاءات إعجازية في هذه السجعية المذهونة قمنا بتفنيده في مقال سابق ولن نتطرق له هنا.
نكتفي بهذا القدر. ستجدون الكثير من الأمثلة على خلل القدرة على التثبيط في مقالاتنا تحت وسم ذهان النبوة.
في الحلقات القادمة من حقيقة أم تجني – الشذوذ اللغوي في القرآن سنناقش علامات أخرى . كونوا على الموعد
نزل تطبيق الموقع لأجهزة الأندرويد. معكم أينما كنتم
ساهم في تبديد الخرافة
تطبيق اندرويد
ملاحظة : الوثنخاف مصطلح لتسمية الإله الإبراهيمي. ويتكون من شقين الأول وثن وتعني كائن تخيلي يتم افتراضه وتخيله ثم اقناع النفس بوجوده. وهو كائن أخرس ابكم أطرش اصم لا يستطيع أن يقول حتى كلمة بم. والشق الثاني خفي. وتعني غير مرئي وذلك لتمييزه عن الأوثان المرئية مثل هبل والعزي ومناة الثالثة الأخرى
تعريف النبي : في الدين النبي هو شخص يسمع أصواتا لا يسمعها أي شخص طبيعي آخر حتى لو تواجد معه وقتها. ويرى اشياء لا يراها أي شخص طبيعي حتى لو تواجد معه وقتها. ويعتقد أنه المصطفى الذي يصلي عليه الله والملائكة. وهذا التعريف الديني للنبي يتوافق تماما مع التعريف الطبي للاضطراب الذهاني
شارك الآن إن لم تكن قد فعلت من قبل في إحصائية اللادينيين
نزل الجزء الثاني من ذهان النبوة مجانا
التبرع للموقع
اضغط أدناه إذا أحببت التبرع للموقع عبر الباي بال او بطاقة الاعتماد
