yellow and purple clouds

حقيقة أم تجني – الشذوذ اللغوي في القرآن-4

تم تلقين المسلم منذ صغره أن الألفاظ الغريبة في القرآن إعجاز وأن التراكيب الشاذة بلاغة وأن الكلمات غير المفهومة فصاحة. تشرب الأمر وحرم نفسه من حرية التفكير النقدي ورؤية الحقيقة. وعندما بدأنا بقول ما لم يجرؤ على مجرد التفكير فيه هاجمنا وظن أننا نتجنى على القرآن ونتآمر على دينه الحق لأننا نحب جهنم ولا نريد الجنة والحور العين.

والحقيقة التي لا يستطيع رؤيتها ولن يستطيع ما لم يتحرر من نير العبودية الكهنوتية هي أن ما نقوله هو الحقيقة المدعومة بالأدلة والمتحررة من الوهم.

تكلمنا في الحلقات السابقة عن بعض أنواع الشذوذ في لغة القرآن. واليوم نتحدث عن نوع آخر شائع في لغة المذهونين وهو اضطراب التعقيد البنائي في التعبير عن الفكرة

اضطراب التعقيد البنائي

اضطراب التعقيد البنائي للجمل هو نوع من اضطراب  اللغة في الأمراض الذهانية. هذا يعني أن المذهون يواجه صعوبات في إنتاج خطاب متماسك البنية واضح المعاني. على سبيل المثال ، قد يحذف الشخص المذهون الكلمات ، أو يستخدم ترتيبا غير صحيح للكلمات ، أو يرتكب أخطاء في زمن الفعل أو الاتفاق ، أو يستخدم جملا سطحية للتعبير عن الفكرة.

في الاختبارات العلمية للشذوذ اللغوي الذهاني يمكن قياس التعقيد البنائي للجمل باستخدام أدوات لغوية مختلفة ، مثل متوسط طول وحدات التعبير ، والجمل لكل تعبير ، ومؤشر التعلق ، وتحليل الوحدة التائية ، وتحليل الخطأ. يمكن لهذه الأدوات تحديد طول وحدات الكلام وهيكلها ودقتها ومقارنتها بالقيم العادية أو المتوقعة.

سنشرح باختصار هنا أداتين وهما مؤشر التعليق والوحدة التائية.

مؤشر التعلق

مؤشر التعلق (SI)

هو مقياس للتعقيد البنائي يقارن العدد الإجمالي للجمل الرئيسية و والجمل الوصلية أو أشباه الجمل المتعلقة بها بالعدد الإجمالي للوحدات الثائية. الجملة الرئيسية هي كلام مفيد، مستقل بنفسه. وهي على ضربين : جملة مركبة من مبتدأ وخبر، وجملة مركبة من فعل وفاعل. الجملة الثانوية أو الوصلية هي أي جملة غير مفيدة أو غير مستتقلة ولا يكتمل الكلام بها. شبه الجملة (في العربية) هي إما جار ومجرور أو ظرف متعلقان بجملة أخرى لتتم الفائدة. الوحدة الثائية هي عبارة تحتوي على جملة رئيسية واحدة وأي عدد من الجمل المتعلقة بها. يحسب مؤشر التعلق الجمل ويوفر مقياسا للكثافة الجملية.

يمكن حساب مؤشر التعلق بقسمة العدد الإجمالي للجمل على إجمالي عدد الوحدات الثائية في عينة الاختبار. على سبيل المثال ، إذا كانت عينة الاختبار تحتوي على 50 جملة و 25 وحدة ثائية ، فإن مؤشر التعلق هو 50/25 = 2. هذا يعني أنه في المتوسط ، يحتوي كل تعبير على جملتين.

بعض الأمثلة على مؤشر التعلق هي:

أهلكنا الذين كفروا – قيمة مؤشر التعلق 1

أهلكنا الذين كفروا بذنوبهم – القيمة هنا هي 2

لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ – القيمة هنا 8

وهكذا

الوحدة التائية

تحليل الوحدة التائية

هو أداة أخرى لقياس التعقيد البنائي لعينات الكلام والكتابة. يتم تعريف الوحدة التائية على أنها جملة رئيسية بالإضافة إلى أي جمل ثانوية متعلقة بها. الجملة الرئيسية هي جملة يمكن أن تقف بمفردها كجملة. الجملة الثانوية تعتمد على الجملة الرئيسية ليكون لها معنى. يحسب تحليل الوحدة التائية عدد وطول الوحدات التائية Tفي عينة اللغة ويوفر مقياسا لكثافة الجمل.

بعض الأمثلة على تحليل الوحدة التائية هي:

إني ذاهب إلى ربي – الوحدة التائية =1

إني ذاهب إلى ربي سيهدين – الوحدة التائية = 1

والآن لنحلل هذه العبارة:

أهلك الله قوم نوح وقوم لوط لأنهم كانوا كفارا – القيمة هنا = 2

قيمة الوحدة التائية هي 2 في هذه العبارة الأخيرة لأنها تحتوي على جملتين رئيسيتين (أهلك الله قوم نوح  واهلك الله قوم لوط  متصلتين باقتران تنسيقي (“و”) وجملة ثانوية واحدة (لأنهم كانوا كفارا) متعلقة بكلتا الجملتين الرئيسيتين. الجملة الرئيسية هي جملة يمكن أن تقف بمفردها. الجملة الثانوية تحتاج للجملة الرئيسية ليكون لها معنى ومنطق. يتم تعريف الوحدة التائية على أنها جملة رئيسية بالإضافة إلى أي جمل ثانوية متعلقة بها.

ملاحظة : الوحدة التائية (تي يونيت) تختلف عن الوحدة الثائية (سي يونيت) في مؤشر التعلق

اضطراب التعقيد البنائي في القرآن

في سجعيات القرآن نجد أمثلة كثيرة على اضطراب البناء الجملي. فنجد العبارات المبتورة وهي ما اشار له التعريف بالقول (يحذف الشخص المذهون الكلمات). ونجد الترتيب غير الصحيح. ونجد الخلط بين زمن الافعال. ونجد الجمل السطحية للتعبير عن مفهوم ما.

لا مساس

في قصة موسى والسامري أراد الساجع أن يقول لنا أن السامري عوقب بمقاطعته مقاطعة تامة فعبر عنها تعبيرا سطحيا طفوليا:

قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ

تصوورا شخصا يحكم عليه بالسجن مدى الحياة فيقولون له: حكمت عليك المحكمة بأن لك في الحياة أن تقول لا إفراج. هل يوجد أسخف من هذا للتعبير عن السجن؟

إن لك في الحياة أن تقول لا مساس. لم يقل حتى إن عقوبتك لا مساس. بل أن تقول لا مساس. وكأنه سيمر في الطرقات والاسواق وهو يتلفظ قائلا لا مساس لا مساس. الخلل واضح ولا يحتاج لمزيد من الشرح

لإيلاف قريش

لا توجد جملة رئيسية هنا. لإيلاف قريش جملة ثانوية بدأ بها الكلام ولم يوضح متعلقها. انتبه المفسرون من البداية أنها غير مفيدة. وتم الخوض فيها كثيرا لدرجة أن بعضهم أنكر ان تكون سورة قريش سورة مستقلة واعتقد أنها مكملة لسورة الفيل وأن التفسير هو أن الله أهلك أصحاب الفيل من أجل إيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف في ترقيع شهير.

حذف الساجع هنا الجملة الرئيسية. يذهب الطبري وابن كثير إلى أن الجملة قد تكون متعلقة بقول جعلناهم كعصف مأكول أو بجملة محذوفة هي اعجبوا. اعجبوا لإيلاف قريش.

تمثل هذه السجعية اضطرابا في بناء الجمل. حيث وردت جملة ثانوية فقط بدون أية جملة رئيسية. وليس للكلام أي معنى

كل لما

نفس الشيء ينطبق على ترتيب الكلمات. حيث وردت سجعيات مضطربة الترتيب. منها على سبيل المثال ما يلي:

أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10) جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ

يريد أن يقول : ما هنالك من جند الأحزاب مهزوم. لكنه لم يستطع ترتيب الكلمات بشكل سليم بسبب طغيان التسجيع على تدفق الكلمات فظهر الاضطراب البنائي للجمل.

ومثلها قوله:

وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)

يريد أن يقول إن الجميع لدينا محضر

ونفس الاضطراب قوله : إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4)

يريد القول هناك حافظ لكل نفس

أم أنا خير

يقول الساجع

وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52)

الاضطراب البنائي واضح هنا. استخدم الساجع عبارة أم أنا خير من هذا استخداما معكوسا بدل أن يقول أم أنا اسوأ من هذا المهين.

جملة أم أنا كيت وكيت ترد من أجل استنكار ما بعدها ووادعاء عكسه. وكان الوضع السليم أن يقول أم انا أسوأ من هذا المهين. أو أم أنا أقل.

فمثلا يقول القائل ألست أنا من من يحمل شهادة عليا أم أنا أقل من هذا الريفي الجاهل؟

حيث يتم استنكار ما بعد أم ونفيه ضمنيا. فكون القائل أقل من الريفي الجاهل تم نفيه ضمنيا في سياق العبارة.

وعبارة أم انا خير من هذا الذي هو مهين تعني أن فرعون ينفي أن يكون خيرا من المهين. هذا اضطراب بنائي فادح

أثابكم غما بغم

يقول الساجع

فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)

الغم عقاب وليس ثوابا ليقول أثابكم. وشبه الجملة ” بِغَمٍّ ” جاءت في مكان شاذ. كان يكفي أن يقول اثابكم غما. فماذا يعني غما بغم؟ ويزداد الاضطراب بقوله لكي لا تحزنوا. فالغم هو الحزن. ومعنى السجعية صار جعلكم تحزنون لكي لا تحزنوا. هذا تركيب بنائي شديد الاضطراب.

نكتفي بهذا القدر. ستجدون الكثير من الأمثلة على كل أنواع الشذوذ اللغوي الذهاني وعلامات الذهان الأخرى في مقالاتنا تحت وسم ذهان النبوة.


نزل تطبيق الموقع لأجهزة الأندرويد. معكم أينما كنتم


ساهم في تبديد الخرافة

شارك المقال مع أصدقائك في تويتر

شارك المقال مع أصدقائك في الفيسبوك
HTML tutorial
شارك المقال مع أصدقائك في الواتسب

تطبيق اندرويد
Download@GooglePlay
حمل تطبيق الموقع من متجر جوجل

ملاحظة : الوثنخاف مصطلح لتسمية الإله الإبراهيمي. ويتكون من شقين الأول وثن وتعني كائن تخيلي يتم افتراضه وتخيله ثم اقناع النفس بوجوده. وهو كائن أخرس ابكم أطرش اصم لا يستطيع أن يقول حتى كلمة بم. والشق الثاني خفي. وتعني غير مرئي وذلك لتمييزه عن الأوثان المرئية مثل هبل والعزي ومناة الثالثة الأخرى

تعريف النبي : في الدين النبي هو شخص يسمع أصواتا لا يسمعها أي شخص طبيعي آخر حتى لو تواجد معه وقتها. ويرى اشياء لا يراها أي شخص طبيعي حتى لو تواجد معه وقتها. ويعتقد أنه المصطفى الذي يصلي عليه الله والملائكة. وهذا التعريف الديني للنبي يتوافق تماما مع التعريف الطبي للاضطراب الذهاني

شارك الآن إن لم تكن قد فعلت من قبل في إحصائية اللادينيين

إحصائية اللادينيين في الموقع

نزل الجزء الثاني من ذهان النبوة مجانا


التبرع للموقع


اضغط أدناه إذا أحببت التبرع للموقع عبر الباي بال او بطاقة الاعتماد


Donate Button with Credit Cards

Leave a Reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

%d