نظر المغشي عليه – مشهد هلوسي
يكون الإنسان عددا من الأفكار والمعتقدات بناء على تجاربه الخاصة سواء كانت هذه التجارب واقعية كما يحدث للشخص السليم أو هلوسية لم تقع إلا في دماغه كما يحدث للمريض الذهاني. ورغم أن كلمة نبي تعني شخصا مقدسا في أدبيات الوثنخافيات إلا أن تعريفها الديني يتطاق تماما مع التعريف العلمي للمرض الذهاني : النبي هو شخص يسمع أصواتا لا يسمعها أحد غيره حتى لو تواجد بجواره ويرى أشياء لا يراها أي شخص غيره حتى لو تواجد بجواره ويؤمن أنه أعظم واحد وأحسن واحد في الكون تم اصطفاؤه من قبل السماء.
وبسبب هذه التجارب المرضية يصبح كلام المريض غامضا وغير واضح ويطغى عليه خلل التواصل اللفظي السليم ويحتاج للتفسير والتأويل ليتمكن الناس من فهمه. وأي كلام لا يكون مفهوما بذاته ولا واضحا بألفاظه هو كلام مختل من ناحية القدرة على التواصل اللفظي.
ولغة الذهانيين هكذا. من أهم العلامات فيها اضطراب القدرة على التواصل اللفظي ووجود الشذوذ اللغوي الذهاني
نظر المغشي عليه
معظم الناس في زمننا تعرف أن المغشي عليه لا ينظر ولا يرى. المغشي عليه يفقد الوعي ويفقد القدرة على الحركة والاحساس بما في ذلك النظر. ولا يمكنه تحريك عضلات العين ولا غيرها حسب درجة الوعي. تقاس درجة الوعي سريريا بمقياس جلاسجو. الغيبوبة التامة لا توجد فيها لا حركة للعين ولا للعضلات حيث لا يفتح المريض عينيه ولا يصدر أصواتا ولا يصدر حركة. في الدرجات الأعلى حيث يكون هناك بعض الوعي بالمحيط تختلف حالة العين. تفتح تلقائيا في حالة كان المريض واعيا وهنا يعطى أعلى درجة لتقييم الوعي فيما يخص فتح العين. وكلما زاد تدني الوعي تدرجت القدرة على فتح العين. حين يتم مناداته بالصوت يفتحها في الضرر البسيط. وفي الضرر متوسط الدرجة للوعي يفشل المريض في فتح عينه تلقائيا كما يفشل في فتحها استجابة للصوت لكنه يفتحها استجابة للألم , إذا تم قرصه مثلا أو تم الضغط على العظم أسفل الحاجب بقوة. في حالة الإغشاء حيث يفقد الوعي كليا يعجز المريض عن فتح العين وتظل مغلقة

لكن الساجع كان لديه معتقد خاص حول الإغشاء. كان يؤمن أن المغشي عليه ينظر. وكان يؤمن أنه له طريقة نظر خاصة تشبه نظر الشخص عندما لا يعجبه الموقف وعندما ينزعج. قال في إحدى السجعيات
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20)
وكما هو واضح من السجعية آمن الساجع أن المغشي عليه يستطيع النظر ويستطيع الرؤية. ولديه طريقة معينة في النظر. وهذه الطريقة يمارسها الذي في قلوبهم مرض عندما ينزعجون من كلامه وسجعياته ولا تعجبهم
بينما الذي ينزعج ولا يعجبه الكلام ينظر بتهكم. تظهر السخرية على ملامحه. يظهر عدم الرضا. ينظر شزرا. يرفع حاجبيه ويلوي رأسه. ينظر نظرة خوف أو نظرة قلق. حركات طبيعية معروفة في لغة الجسد. ليس بينها وبين نظرة المغشي عليه أية صلة. والمغشي عليه لا ينظر من الأساس
تشبيه ذهاني
استخدم الساجع اسلوب التشبيه في هذه السجعية لتوصيل فكرته. والتشبيه من أهم مواطن الكلام الذي يظهر فيها الشذوذ اللغوي الذهاني نتيجة لصعوبة بناء المجاز لدى المريض الذهاني وغلبة التفكير الحسي على التفكير المجرد وميله لأنسنة الاشياء.
التشبيه في كل اللغات له طرفان : الطرف الأول يسمى في العربية بــ المشبه ويمثل الطرف الغامض أو المجهول الذي يحتاج المتكلم لتوضيحه. والطرف الثاني هو الجزء الواضح الحقيقي المعروف للمستمع والذي ستتم المقارنة معه لتوضيح الفكرة ويسمى في العربية بـــ المشبه به
الساجع استخدم هنا صيغة التشبيه المؤكد حيث حذف أداة التشبيه واكتفى بالمشبه والمشبه به
المشبه هو طريقة نظر خصومه. والمشبه به هي طريقة نظر المغشي عليه. وكما هو واضح ليكون التشبيه ذا معنى يجب أن يكون المشبه شيئا غامضا وغير معروف والمشبه به حقيقيا ومعروفا للمستمع حتى يتضح له المقصود ويفهم الفكرة. ينطبق هذا على كل لغات العالم بلا استثناء. لا يمكنك أن تشبه شيئا ما تريد توضيحه للناس بشيئ غير حقيقي أو شيء لا يحدث في الواقع أو شيء ليس له معنى إلا في رأسك
لكن المشبه به هنا ليس شيئا معروفا ولا حقيقيا. ليس سوى صورة هلوسية من خبرات الساجع الخاصة التي لا يعرفها أحد. مشهد هلوسي يرى فيه الساجع المغشي عليه وهو ينظر بتهكم أو بسخرية أو بانزعاج أو بخوف أو بعدم رضا. وهذا مشهد لا يحدث في الواقع. فالمغشي عليه لا ينظر. عيناه مغمضة. وإذا كانت عيناه مفتوحتين فستكون نظرته خاوية ميتة لا حياة فيها ولن تشبه بأية حال من الأحوال نظر شخص يسمع سجعية معينة ولا تعجبه
تخيل نفسك وأنت تستمع لشخص يحدثك عن مجموعة من خصومه منافقين كان يكلمهم بشيء ما ولم يعجبهم كلامه ونظروا إليه. وحاول أن يوضح لك كيف كانت نظرتهم إليه. وقال لك حسنا ساشرح لك كيف كانت نظرتهم لقد كانت مثلما ينظر إليك شخص مغشي عليه؟ شخص في غيبوبة؟
ستعرف أنه مختل. فالمغشي عليه لا ينظر. عيناه مغلقة. ونظرته يستحيل أن تكون مثل شخص واعي انزعج من كلام ما ونظر إلى المتلكم نظرة عدم رضا أو خوف أو تذمر. يستحيل أن يقول هذا التعبير شخص سليم القدرة على التواصل اللفظي الصحيح. هذا شخص مضطرب جدا غير قادر على التواصل اللفظي
هذا الخلل تكرر في كثير من تشبيهات الساجع مثل قوله
إنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65)
شجرة الزقوم شيء مجهول لكل الناس ما عدا هو لأنه رآها في هلاوسه البصرية. ولكي يشبهها يتوقع المرء أن يشبهها بشيء معروف لكنه شبهها بشيء آخر غير حقيقي وغير معروف وهو رؤوس الشياطين
وكقوله مشبها الزجاجة : الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة . ولا يوجد أي كوكب دري يوقد من شجرة. ارتكب هذا الخطأ لأنه كان حقيقة يظن المريخ مجرد فانوس يوقد من شجرة. أو في سجعية تهوي به الريح حيث كان المشهد هلوسيا لا يحدث إلا في الخيال
لمزيد عن التشبيهات الذهانية في السجعيات القرآنية انقر هنا
معتقد راسخ
إيمان الساجع بوجود طريقة معينة لنظر المغشي عليه تشبه طريقة نظر خصومه تكرر في مواضع أخرى مما يؤكد رسوخه في ذاكرته من تجربة ما
وإذا بحثنا عن المصدر الذي استنتج منه الساجع أن المغشي عليه ينظر بطريقة من ينزعج من الكلام سنجد معلومات مهمة
فالمغشي عليه حقيقة لا ينظر. لكن هناك حالات تسمى في الطب النفسي بحالات التشنج الزائف حيث يبدو المريض كأنه فقد الوعي وهو بكامل وعيه في الحقيقة
Pseudoseizures
وهذه الحالات تحدث بسبب عوامل نفسية وليس لها أساس عضوي. لا يوجد أي خلل حقيقي في الجسم أو في الدماغ أو في وظائف الدماغ. ولا يغيب الشخص عن الوعي. يحدث للمريض وهم غياب الوعي لكن وعيه في حقيقة الأمر يظل سليما. الحالة ليست سوى وهم
هناك أمران مهمان حول هذه الحالة يجعلنا نرجح أن الساجع عانى منها أو شاهد شخصا يعاني منها ولمرات متكررة حتى ترسخت الصورة في ذهنه وظن أن المغشي عليه يستطيع النظر وبطريقة معينة تشبه نظر من لا يعجبه الكلام
الأمر الأول أنه يحدث للفتيات والفتيان الذي يعانون من مصدر ضغط وتوتر مستمر : كطفلة متزوجة من شخص يكبرها بأكثر من ثلاثين إلى أربعين سنة أو شاب متزوج بعجوز ثرية متسلطة لا تسمح له بغيرها. وكلا الشرطين ينطبقان على ساجع القرآن. ففي شبابه تزوج عجوزا ثرية لم تسمح له بغيرها وفي شيخوخته تزوج بطلفة فارق العمر بينه وبينها فارق فلكي
الأمر الثاني أنه في حالة الغيبوبة الزائفة هذه تحدث حركة للعين. هذه الحركة تكون بشكل تحرك سريع من أعلى لأسفل أو من اليمين لليسار والعكس. أو عند تحريك راس المريض تذهب عينه للجهة التي حرك إليها وينظر نحو الأرض. ولأن المريض ليس في غيبوبة حقيقية بل في زيف غيبوبة فإنه يظل واعيا ويدرك حركة عينيه. وهذا يمكنه أن يجعله يؤمن أن للمغشي عليه نظرة بطريقة خاصة. وإذا لم يكن الساجع هو من عانى من هذا النوع فربما إحدى زوجاته القاصرات أو سباياه المغتصبات ومشاهدته لحركة عينيها رسخ في دماغه هذه الصورة وهذا المعتقد الخاطئ
وقد كرر الساجع معتقده الخاطئ في سجعية أخرى حيث قال
فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ – 19 الأحزاب
نفس المعتقد ونفس الخطأ. فالمغشي عليه لا ينظر. ولا تدور عيناه. والمغشي عليه لا يغشى عليه من الموت. والموت مختلف عن الاغشاء
والشخص الذي يخاف ينظر نظرة خائف. ونظرة الخائف ليس فيها دوران. وليست مثلما ينظر المغشي عليه.وليس بينها وبين المغشي عليه أي صلة على الاطلاق
الخلاصة
خلل التواصل اللفظي في القرآن جعله غير مفهوم بذاته وغير مكتف بألفاظه ويحتاج لآلاف التفاسير وآلاف التآويل لاصلاحه ولتحويله من كلام شخص مجنون إلى كلام له معنى منطقي. اسباب هذا الخلل تنبع غالبا من إسقاط مؤلفه لمعتقدات خاطئة على الواقع بينما هي خبرات مرضية نتجت من هلاوس سمعية وبصرية ومن ضلالات ولا علاقة لها بالواقع. ومن هذه الضلالات إيمانه بأن المغشي عليه يستطيع أن ينظر ونظرته لها طابع خاص يماثل نظرة الذي يعجبه الكلام أو نظرة الخائف
ساهم في تبديد الخرافة
ملاحظة : الوثنخاف مصطلح لتسمية الإله الإبراهيمي. ويتكون من شقين الأول وثن وتعني كائن تخيلي يتم افتراضه وتخيله ثم اقناع النفس بوجوده. وهو كائن أخرس ابكم أطرش اصم لا يستطيع أن يقول حتى كلمة بم. والشق الثاني خفي. وتعني غير مرئي وذلك لتمييزه عن الأوثان المرئية مثل هبل والعزى ومناة الثالثة الأخرى
شارك الآن إن لم تكن قد فعلت من قبل في إحصائية اللادينيين
نزل الجزء الثاني من ذهان النبوة مجانا
التبرع للموقع
اضغط أدناه إذا أحببت التبرع للموقع عبر الباي بال او بطاقة الاعتماد
