رخاء حيث أصاب
تميز القرآن المكي بالسجعية الشديدة. وقد تم إقناع المسلم المعاصر البسيط أن تلك بلاغة. بل تم إقناعه أنها بلاغة إلهية. وأنه لا يمكن أن يؤلف هذا السجع إلا الله
كلنا نعرف موقف قريش من هذا الالتزام الشديد بالسجع. لقد اتهموا مؤلفه بالجنون وقالوا بالحرف الواحد : يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون.
ما السبب في تشخيصهم للساجع بالجنون
الجنون لم يعد مصطلحا طبيا بل تعبيرا عاميا. لكن حالات الجنون بتعبير العامة شائعة جدا. وتعرف المجتمعات ما يحدث لأصحابها. وعلى عكس ما يعتقده المسلم البسيط فإن التسجيع يتماشى مع الجنون. وليس العكس.
وعندما يبلغ التسجيع درجة تحريف الألفاظ فإنه يصبح عمليا علامة من علامات الشذوذ اللغوي الذهاني. عندما تقول عن إلياس إلياسين وعن سيناء سينين وعن كتابي كتابيه وعن حسابي حسابيه فإنك تلفظ الأنظار إلى اضطرابك
يشار للتسجيع في المراجع الطبية النفسية بعبارة
Rhyming and Punning
وعلى عكس ما تم توصيله للمسلم البسيط من تعارض القدرة على التسجيع مع الاضطراب العقلي إلا أن العكس هو الصحيح حيث تزداد القدرة على التسجيع بشكل مفرط في اضطراب الهوس ثنائي القطب وفي الاضطراب الضلالي المصحوب باضطراب مزاجي
وببساطة بسبب مقدرة المجتمعات على تشخيص المضطرب عقليا تمكنت قريش من الربط بين مبالغة ناظم القرآن في السجع وبين اضطرابه العقلي فشخصته بالجنون
هل هناك علاقة بين الاضطراب الذهاني والتسجيع
المفاجأة أن العلم يقول نعم. تزداد القدرة على التسجيع في المصابين باضطرابات المزاج وخاصة في نوبات الهوس القطبي. وتصاحب هذه النوبات أوهام عظمة. فيحس المرء أنه أفضل من الآخرين. وأن عليهم طاعته واتباعه وتصديقه. وأنه تم اصطفاؤه عليهم لهدف كبير.
صحيح أنه ليس كل ساجع مضطرب. لكن احتمال الاضطراب في الساجع أو الشاعر أكبر من احتماله في البقية.
وهناك الكثير من المبدعين لغويا تم تشخيصهم بالاضطراب الذهني. ولعلكم تذكرون الروائي سيدني شيلدون صاحب روائع إذا جاء الغد, ومؤامرة يوم الدينونة, والوجه الآخر لمنتصف الليل, ومطاحن الآلهة. ولا احد يجهل أجاثا كريستي وفيكتور هوجو بالتأكيد.
رواة كثيرون وشعراء كثيرون يقعون في هذه الدائرة. ولا يمكن أن نتجاهل في تاريخ الأدب العربي القدرة الشعرية الاستثنائية للمتنبي وارتباطها بشعوره بالعظمة وادعائه للنبوة.
ماذا تقول الدراسات العلمية
خرجت الدراسات العلمية بوجود علاقة بين القدرة اللغوية والاضطراب العقلي. وفي دراسة لشيري جونسون وعدد آخر من العلماء كانت النتيجة أن هناك ارتباط بين القدرة اللغوية ونوبات الهوس ثنائية القطب. هذه النتيجة توافقت مع عدد آخر من الدراسات السابقة :

كما توصلت دراسة أخرى في مسار مستقل إلى وجود ارتباط بين القدرة السجعية والشعرية وبين الاضطرابات الذهانية.
الحقيقة الدراسات كثيرة. والدليل قوي. القدرة على التسجيع مرتبطة بالاضطراب الذهاني وليس كما يزعم سدنة الدين أن محمدا لو كان مجنونا ما تمكن من تأليف السجع. بل تكلمه بالسجع علامة مهمة في اضطرابه. وفكرة الإله الساجع أو الإله المتفنن باللغة والألفاظ فكرة كان الواجب أن تنبههم لاضطراب مدعيها لا لسلامته العقلية.
ونجد دليلا مهما في تنبه قريش للأمر. فتشخيصهم لمحمد بالجنون كان بسبب سجعياته. وبالتأكيد لم يصلوا لهذا التشخيص إلا من خبرة واحتكاك. فاللغة العربية كانت لغتهم الأم في تلك الايام وكل المصابين يتحدثون بها ولذلك سهل عليهم ملاحظة تطابق تسجيع محمد مع تسجيع مذهونين آخرين فوصلوا للتشخيص. لغة العرب اليوم ليست الفصحى ولذلك لا يمتلكون هذه الميزة.
سخرنا له الريح
الحقيقة لو أخضعنا سجعيات القرآن لمقاييس الشذوذ اللغوي الذهاني المعتمدة طبيا لتعرفنا بسهولة على اضطراب مؤلفها. وقد تعرضنا للكثير من علامات الشذوذ اللغوي الذهاني في مقالاتنا الأخرى.
دعونا اليوم نلقي الضوء على هذه السجعية:
فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36)
من ناحية اضطراب التفكير نتوقع أن يعرف المرء أن الإيمان بتحكم شخص بالريح ضلالة ذهانية. وهذه حقيقة ذاتية الاثبات. لو جاء إليك شخص وزعم أن الريح تطيع أوامره فلن تعجز عن تشخيصه ما لم تكن تعاني من قصور عقلي.
لكن ما نحن بصدده هنا هو التسجيع العالي. التقيد بقافية السجع جعلته يقول عبارة لا معنى لها : حيث أصاب. فما معنى سخرنا له الريح تجري بأمره حيث أصاب؟ ماذا يقصد بــ أصاب؟
وقد احتار المفسرون. فلجأوا لتخمين المعنى من السياق. فالسياق يوحي بأنه يريد أن يقول حيث أراد. تجري بأمره حيث أراد. أو حيث شاء. فأهملوا معنى أصاب وقالوا تفسيرها حيث أراد.
والحقيقة هذا شذوذ لغوي ذهاني. يظهر في نوبات الهوس بما يعرف بـ تطاير الافكار. ويسمى في أدبيات الشذوذ اللغوي الذهاني بـ فقدان القدرة على تثبيط الأفكار الناشزة.
وخلاصة هذا الشذوذ أن المذهون قبل أن يتم الفكرة التي يريد أن يبلغها للمستمع تقفز في ذهنه فكرة أخرى فيفشل في كبحها وتظهر في كلامه قبل أوانها على حساب فكرة أخرى. وفي هذه السجعية بعد فكرة أن الريح تجري بأمره طرأت على ذهنه فكرة أن الريح ترسل لتصيب أماكن محددة. كما نرى في قوله في سجعية أخرى
اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِه إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ
لكن فكرة الإصابة في سجعية سليمان خرجت في ألفاظه قبل الأوان. فحل قوله حيث اصاب محل ما كان يجب قوله طبقا للمفسرين : حيث أراد أو حيث شاء.
ساعد في فشله في كبح الفكرة الناشزة موجة التسجيع. فاصاب تتوافق مع قافية باقي السجعيات في السياق : الوهاب حساب عذاب شراب إلى آخرهذا المقطع السجعي في سورة صاد.
رخاء أم عاصفة
وأود الإشارة إلى علامة أخرى من علامات الشذوذ اللغوي ظهرة في سجعية الريح. وهي التناقض مع سجعية سابقة. فهنا يذكر أن الله سخر الريح لسليمان رخاء. ورخاء يعني هادئة غير عاصفة
يقول تفسير الطبري:
( تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً ) يعني: رِخوة لينة، وهي من الرخاوة ليست بعاصفة ولا بطيئة.
عن الحسن، في قوله( رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ) قال: ليست بعاصفة، ولا الهَيِّنة بين ذلك رُخاء.
لكنه في سورة أخرى نسي أنها رخاء غير عاصفة وقال:
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81)
هذا التناقض علامة شائع في السرد الذهاني. فعندما يحكي المريض الذهاني قصة ما فإنه يعيد العناوين العريضة ويتناقض في التفاصيل حسب ما يدور في ذهنه من صور هلوسية وأفكار خارجة عن تحكمه. وقد رأينا ذلك مثلا في قصة فرعون وملئه. حيث في إعادة سرده لنفس المشهد وبنفس الألفاظ ارتبك في تفصيل من طلب المشورة فرعون أم الملأ. فقال في موضع :
فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112)
الملأ هم من طلب المشورة وقال إن هذا لساحر عليم
وفي موضع آخر قال:
قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (33)قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37)
فرعون هو من طلب المشورة وقال إن هذا لساحر عظيم. ولكل الفرق الوثنخافية ترقيعات عديدة هنا سواء طائفة القرآنيين أو السلفيين أو القطبيين كل بما تيسر له لإخفاء هذا التناقض والشذوذ اللغوي الذهاني
أمثلة أخرى
لاحِظوا هذه السجعية:
وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)
يريد أن يقول أنهم لو استقاموا لأسقيناهم مطرا غزيرا. ثم قفزت فكرة ناشزة : المطر سيعطيهم زرعا وثروة ويحدث بينهم فتنة فلم يستطع كبح جماح هذه الفكرة التي لا علاقة لها بالموضوع فخرج بعبارة : لنفتنهم فيه. فصار الغرض من المطر هو الفتنة. وصارت استقامتهم شيئا سلبيا غير مرغوب فيه لأنها ستؤدي إلى الفتنة. ومقصده كان أن استقامتهم شيء جيد سيؤدي إلى المطر والنعمة لكنه فشل في تثبيط الفكرة الناشزة فخرب الموضوع برمته.
ومثل ذلك قوله
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)
كان يتفلسف عن خلق الإنسان بكلام لا علاقة له بالعلم كما نعرف الآن. خلق الإنسان من رجل واحد منه خلقت زوجته. لسنا بصدد هذا الكلام الخاطئ الآن. لكن كما نرى فقد القدرة على التحكم بتدفق الأفكار فدخلت فكرة إنزال الأنعام من السماء دخولا ناشزا. فقال أنزل لكم من الأنعام ….يخلقكم في بطون أمهاتكم. ظهر التفكك بوضوح. فلا دخل لإنزال الأنعام بـ يخلقكم في بطون أمهاتكم. هذا النوع من الشذوذ الذهاني تعج به سجيعات القرآن. لكن القائمين على الوثنخافية الإسلامية منعوا النقد والتفكير وجعلوا الإعدام عقوبة لكل من يشير إليها منذ أيام المعري وأبي بكر الرازي
ومثال آخر قوله
مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15)
وهذه من السجعيات التي تحير فيها المفسرون وقد ناقشناها بالتفصيل في مكان آخر.
لا أحد يدري من الذي يظن ومن الذي لن ينصره الله وما علاقة فليمدد بسبب. وبعد عبارة فليمدد بسبب ظهر الانجراف : ثم ليقطع فلينظر الخ الخ. ولو لم يتضح لك الشذوذ إلى الآن قم بتغييرها إلى لهجتك الدارجة وركز مرة آخرى.
قوله سبب إلى السماء يعني طريقا. ولكن سبب ايضا تعني حبل. هذا جعل فكرة ناشزة تقفز في ذهنه وهي قطع الحبل. فلم يتمكن من تثبيطها وعبر عنها بالكلام فكانت النتيجة عجينا سجعيا في غاية الاضطراب
قناتنا على اليوتيوب
يرجى الاشتراك والمتابعة في قناتنا على اليوتيوب لكوننا بدأناها فقط قبل بضعة اسابيع
ساهم في تبديد الخرافة
إعلانات- Advertisements

تطبيق اندرويد

ملاحظة : الوثنخاف مصطلح لتسمية الإله الإبراهيمي. ويتكون من شقين الأول وثن وتعني كائن تخيلي يتم افتراضه وتخيله ثم اقناع النفس بوجوده. وهو كائن أخرس ابكم أطرش اصم لا يستطيع أن يقول حتى كلمة بم. والشق الثاني خفي. وتعني غير مرئي وذلك لتمييزه عن الأوثان المرئية مثل هبل والعزي ومناة الثالثة الأخرى
تعريف النبي : في الدين النبي هو شخص يسمع أصواتا لا يسمعها أي شخص طبيعي آخر حتى لو تواجد معه وقتها. ويرى اشياء لا يراها أي شخص طبيعي حتى لو تواجد معه وقتها. ويعتقد أنه المصطفى الذي يصلي عليه الله والملائكة. وهذا التعريف الديني للنبي يتوافق تماما مع التعريف الطبي للاضطراب الذهاني
شارك الآن إن لم تكن قد فعلت من قبل في إحصائية اللادينيين
نزل الجزء الثاني من ذهان النبوة مجانا
التبرع للموقع
اضغط أدناه إذا أحببت التبرع للموقع عبر الباي بال او بطاقة الاعتماد
