crop faceless barista frothing milk with steam wand

لبن لم يتغير طعمه

تخيل أنك في محاضرة تستمع بإنصات شديد لما يقوله محاضر واقف على المنصة . وكان يتحدث للحضور عن سيارة لم يروها من قبل وأراد تقريب الصورة لهم بتشبيهها بشيء ما فقال : مثل السيارة التي وعدناكم بإنتاجها فيها مقاعد مريحة ونظام تحديد مواقع وشاشة ونظام كبح اوتوماتيكي ولكم فيها كل سبل الراحة كمن هو جالس في سيارة قديمة لا  تنفعهم ولا تلبي رغباتهم.

تأملوها جيدا – كان يريد أن يشبهها بشيء ما لكنه انجرف الى مواصفاتها ونسي أنه قال مثل وأنه بصدد التشبيه وفي النهاية عندما عاد للتشبيه قال مثلها كمن هو جالس في سيارة قديمة لا تلبي رغباته. وصار كأنه يريد ان يتساءل هل سيارتنا افضل ام السيارة القديمة التي لا تلبي الرغبات. هذا يفهمه المستمع من السياق لان دماغه يكمل الصور الناقصة لكن المتحدث مضطرب وينجرف ويفقد القدرة على تثبيط تدفق الافكار الطارئة للامام

لا أعتقد أن هناك شخصا يفهم لعة المحاضر لايتمكن من معرفة أن هناك خللا ما؟ هل تعتقدون أنه سيصعب تبين أن هذا المحاضر يفتقد القدرة على التواصل اللفظي السليم؟ أبدا. سيتضح للكل عدم قدرته على التواصل اللفظي. وإذا تكرر هذا النمط في كلامه أكثر من مرة فإنه مؤشر قوي على إصابته بمرض يسبب خللا في التواصل اللفظي كالذهان. جمله مضطربة مفككة وشاذة

هذه كتلك

يقول ساجع القرآن في موقف حقيقي مطابق تماما للمثال أعلاه :

مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)

لا شك أن الصورة اتضحت لكم. فلا يستطيع أي شخص نزيه ألا يرى الخلل. فقط شخص مستغفل متعصب لما تم تلقينه إياه سيغالط نفسه ويخادعها ويبحث عن تأويلات ترقيعية.

الشذوذ اللغوي الذهاني علم حديث النشأة لتشخيص اضطرابات الذهان عن طريق اللغة المكتوبة والمنطوقة. وخلال سنوات قليلة قادمة سيكون هو الاساس في التشخيص والتقييم والمتابعة. ويمكن تطبيقه على أي نوع. كلام مكتوب أو منطوق , فوري أو مسجل أو مأرشف.

التشبيه والذهان

تقل القدرة على التفكير المجرد في الذهان وتطغى الحسية. وعند بناء عبارة مجردة كالتشبيه ينجرف المريض للصورة الحسية ويفقد القدرة على كبح الكلام المتدفق وينجرف للأمام. وهذا ما يعرف علميا بمصطلح

Lack of proactive inhibition.

مثال عليه على السريع ما يلي: يأتي شخص إلى مكتبك ويجدك تعد لنفسك القهوة فترد اوتوماتيكيا صورة القهوة في ذهنه ويرد معها لفظ المنبهات والمثيرات لأنها منبه ومثير فيقول مازحا أو جادا :

هل أنت تستخدم هذه الأشياء المثيرة للانتباه؟

لاحظ أن الجملة اكتملت عند قوله المثيرة : هل أنت تستخدم هذه الأشياء المثيرة؟ كلمة للانتباه حدثت بسبب عدم قيامه بالتثبيط. متعمدا كمن يمزح وأورد الكلمة عندما خطرت بباله على سبيل المزاح ولفت النظر للتشابه بين التعبيرات. وآليا إذا كان مضطربا ويعاني من عدم القدرة على التثبيط التقدمي.

في الذهان يظهر الشذوذ على أسلوب التشبيه في عدة صور : الارتباك بين المفرد والجمع , الاستغراق الوسواسي في أحد العنصرين المشبه أو المشبه به , عدم وجود وجه شبه , أو تشبيه الغامض بما هو غامض ايضا لأن الغرض من التشبيه في كل اللغات توضيح الصورة حيث يشبه شيء غير معروف للمستمع بشيء معروف وواضح لكي يزول الغموض وتتضح الصورة.

اضطراب السجعية

في السجعية أعلاه نلاحظ أنه يريد توضيح صورة الجنة. الجنة كيان تخيلي لم يره أحد من المستمعين وحدثهم الساجع أنها موجودة بعد الموت في مكان ما. ولذلك هي شيء غامض وغير معروف.

نجده بدأ بأسلوب تشبيه أداة التشبيه فيه هي كلمة مثل. فقال لهم مثل الجنة. يتوقع من الشخص السليم أن يقول مثل الجنة التي وعدتكم بها كمثل حديقة غناء غنية بالفاكهة والماء والثمرات طقسها جميل ووقتها أصيل الخ الخ الخ.

وقد بدأ الساجع بداية صحيحة : مثل الجنة التي وعد المتقون — ثم انجرف بسرعة غارقا في صورة حسية هيمنت على كل تفكيره فنسي أنه بصدد تشبيهها بشيء ما وغاب في مشهد هلوسي. وهذا ما يحدث للذهانيين. يدخل مشهد هلوسي لا يراه غيره ويسيطر على الصورة. والدليل على أن المشهد هلوسي هنا هو اقتصار المشهد على صور من مخزون المتكلم ومن واقع ثقافته لا يتعداه. وهذا ما حدث هنا. فقد انجرف في إعطائها صفات تتناسب مع محدودية خياله ومع متطلباته الشخصية – متطلبات شخص يعيش في صحراء العرب قبل 14 قرنا: أنهار من ماء غير آسن – هذا شخص يعاني من قلة الماء في الصحراء ومن ركوده وتعفنه فصار قمة أمنياته وغاية النعيم لديه نهر 

ماء غير آسن

وأنهار من لبن لم يتغير طعمه – هذا شخص انتفخت بطنه من اللبن الحامض بسبب ارتفاع الحرارة في الصحراء فصار غاية أمنياته وقمة نعيمه الحصول على لبن غير حامض.

وتستمر الصورة من مخزون ثقافته : خمر لذيذ وعسل. صورة بدائية تماما من واقع بيئته. لا داعي للقول أن هذه الأمور ليست شيئا للانسان المعاصر.

وغرق الساجع كلية في المشبه. ضاع تماما في الصورة الحسية للجنة التي ولدها مشهد هلوسي ونسي أنه قال مثل الجنة. ولم يعد للغاية التي بدأها. انجرف وفقد القدرة على تثبيط الافكار المتدفقة بسبب دخوله في هلوسة بصرية وانجرف من التشبيه بعيدا إلى صورة حسية طاغية. طغى على تفكيره هم التخلص من الماء الآسن واللبن الحامض وتوفير الثمرات والخمر والعسل المصفى.

ثم حصل الاستدراك وعاد للتشبيه لكن بشكل مجنون تماما فقد شبهها بالنار. هذا استدراك ذهاني. وهو شائع في لغة الذهانيين. لقد فاجأ الكل وقال : كمن هو في النار خالدا فيها

طبعا نسي أنه كان في صدد التشبيه وتحول مجرى الكلام إلى استفهام استنكاري. خيل له أنه يريد أن يقول : أمن هو في الجنة كمن هو في النار؟ ولأن سجعيات محمد عبارة عن أصوات كان يسمعها تعرف طبيا بمسمى الهلاوس السمعية فقد آمن أنها وحي ومررها لأصحابه ولم يتعب نفسه بإصلاحها؟ وهل يحق له التعليق على كلام الوثنخاف؟

نستطيع أن نستنتج من السياق أنه انجرف من غاية التشبيه إلى المقارنة والاستنكار. وذلك بسبب أن الدماغ البشري يميل لاصلاح الخلل في المدركات وإكمال النواقص لاعطائها معنى صالحا. وهذا ما يحدث عندما يفهم الناس لغة المريض الذهاني رغم شذوذها لأنهم يستطيعون تخمين ما يقصد وتقوم أدمغتهم باكمال الصورة واستنتاج المقصود

لكن علميا هذا انجراف شديد. يعرف في الطب النفسي بلفظة

Derailment

خرج من إطار التشبيه إلى المقارنة. جرفته الالفاظ وجرت بعضها بعضا بينما تشتت المعنى واندثر. الجنة التي وعد المتقون كمن هو خالد في النار. صارت الجنة هي المشبه والكاف هي أداة التشبيه (رغم وجود مثل في البداية لكن طول الجمل أنساه وجودها) وصار الخالد في النار هو المشبه به. ووجه الشبه غير موجود. فلا وجه شبه بين العنصرين المتناقضين تماما

هذا مثال نموذجي للتشبيه الذهاني يصلح معيارا تعليميا للشذوذ اللغوي في كلام الذهانيين.

عود على بدء

ثم ظهر الاضطراب مرة ثانية في مقطع : كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ

الشذوذ الأول الارتباك بين المفرد والجمع. من هو خالد وردت كمفرد. ثم ارتبك وتحدث عنها كجمع : وسقوا , أمعاءهم. نتوقع من الشخص السليم أن يقول : من هو خالد في النار سقي ماء حميما فقطع أمعاءه. ولا نتوقع : كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ. هذا اضطراب تواصل لفظي نتوقعه من الشخص المذهون.

مضطرب تماما مثل قول رجلنا في بداية المقال : كمن هو جالس في سيارة قديمة ولا  تنفعهم ولا تلبي رغباتهم.

ثم ظهر شذوذ آخر : فقد الصورة المجردة مرة أخرى وانجرف في مشهد حسي وتقوقع من التعميم إلى شيء محدد : وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم. هذي ضمنية مفرطة. يغرق المريض في صورة حسية ويبحث عن تفاصيل التفاصيل. كمن هو خالد في النار أعطى معنى أن الكافر بمحمد يحترق في النار للأبد. ما دام في النار فهو يحترق. جلده أمعاؤه كل أعضاء جسده. وأكيد ماؤه ساخن يغلي. إذا كان يغلي عند درجة حرارة مائة مئوية فما بالكم بنار جهنم الأسطورية؟ ولا حاجة للمعنى لأن يتقوقع في صورة حسية تافهة جدا : وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم.

وبتأمل قليل يتضح أن هذه ايضا صورة هلوسية دخلت المشهد. كان الساجع يرى هلاوس بصرية عن الجنة واللبن غير الحامض والبقية. وذكر الجنة مرتبط في دماغه ودماغ اي انسان بالنار. فمن يخطر بباله الجنة سيخطر بباله النار بجوارها. لكن الشخص السليم لديه القدرة على تثبيط جماح الافكار وعدم الانجراف عكس الذهاني. وكما رأى مشهد الجنة رأى مشهد النار.

لاحظ عزيزي واو العطف في قوله وسقوا. تنفر منها الأذن وتشعر أنها شاذة وفي غير مكانها. فعلام تم العطف؟ لا يوجد فعل في الجملة قبلها ليعطف عليه الفعل سقوا. في الحقيقة يشير واو العطف إلى موقف ديناميكي متسارع تتعاقب أحداثه في دماغ الساجع : كمن هو خالد في النار وسقوا ماء الخ الخ الخ. عندما قال كمن هو خالد ظهرت له صورة شخص في النار فقال كمن هو خالد في النار. ثم صاروا أشخاصا وصارت هناك أحداث تتوالى فقال وسقوا ماء حميما الخ الخ حسب الصور التي تتراءى له. قال وسقوا وكأن الفرد صار أرادا وكأن هناك أحداث وقعت قبل الشرب وعطف عليها الفعل سقوا لكنه فقدها في الكلام. يحدث هذا كثيرا في اللغة الذهانية. يعرف هذا ب فقدان معلومات الربط.



ملاحظة : الوثنخاف مصطلح لتسمية الإله الإبراهيمي. ويتكون من شقين الأول وثن وتعني كائن تخيلي يتم افتراضه وتخيله ثم اقناع النفس بوجوده. وهو كائن أخرس ابكم أطرش اصم لا يستطيع أن يقول حتى كلمة بم. والشق الثاني خفي. وتعني غير مرئي وذلك لتمييزه عن الأوثان المرئية مثل هبل والعزى ومناة الثالثة الأخرى

شارك الآن إن لم تكن قد فعلت من قبل في إحصائية اللادينيين

إحصائية اللادينيين في الموقع

نزل الجزء الثاني من ذهان النبوة مجانا


التبرع للموقع


اضغط أدناه إذا أحببت التبرع للموقع عبر الباي بال او بطاقة الاعتماد


Donate Button with Credit Cards

إصدارات الصفحة

One thought on “لبن لم يتغير طعمه

  1. شكرا جزيلا على هذا المقال الراءع،و التحليل الدقيق،من الواضح جدا مرض النبي المزعوم و الأخطاء في اللغة و التواصل

Leave a Reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

%d bloggers like this: