الإيمان الغيبي
رغم أن الهذيان في الطب النفسي يعرف بأنه الإيمان الغيبي الراسخ الذي لا يتزحزح بأمر لا برهان عليه إلا أن الطب النفسي يستثني الهذيان من اعتباره صالحا للتشخيص إذا كان يؤمن به جماعة كبيرة من الناس وكان مألوفا في ثقافته
فمثلا إذا آمن دكتور جامعي سويدي بأن هناك جني ركبه فهذه تعتبر ضلالة وهذيانا وتصلح للتشخيص لكن إذا آمن بذلك صاحب بقالة سعودي فلا يجب الأخذ بها ويجب البحث عن علامات أخرى لأن الإيمان الغيبي بالجن وركوبها للبشر ثقافة شعبية هناك وضلالة جمعية لا تصلح وحدها للتفريق بين المريض والطبيعي
الهذيان هو اضطراب عصبي نتج عن المبالغة بآلية طبيعية وهي قدرة الانسان على التخيل وتصديق أمور خارج محيط إدراكه. هذه القدرة كانت لها فوائد تطورية لكنها كان لها جوانب سلبية ومنها تهيئة البعض للاصابة بالذهانيات
القدرة على الإيمان بالغيب صفة إنسانية ظهرت لتمكين الانسان من البقاء حيا فهو إذا وجد نفسه على أبواب غابة موحشة يستطيع أن يتخيل وجود ثعابين واسود ووحوش بل ويؤمن بوجودها داخل الغابة فيأخذ احتياطاته. لكنها جعلته ايضا يخلق كائنات غيبية لا وجود لها كالجن والملائكة والآلهة.
ارتبط الإيمان بالبقاء وتجذر في جينات الناجين
الإيمان بالغيب هو التصديق الأعمى دون الحاجة لأي دليل. إنه ما وقر في القلب وصدقه العمل
كلما زاد ذكاء المرء استطاع استخدام هذه الخاصية لمصالحه حيث يظل محتكما للمنطق في استنتاجاته الغيبية لكن مع تدني الذكاء يمكنه أن يؤمن بكل الخرافات
بالإيمان الغيبي سطحت الأرض
آمنت البشرية لقرون طويلة بأن الأرض سطحت. ومن قال أن الأرض كروية تمت معاقبته على الهرطقة
لم يكن لديهم أي أي دليل واستندت قوتهم كلية على الخداع البصري والايمان الغيبي
قدرة التفكير المجرد مقابل التفكير الحسي تلعب دورها هنا
رغم أن ايراتوستينيس كان قد أثبت كروية الأرض قبل ميلاد المسيح ب 300 عام بل وقام بقياس نصف قطرها بطريقة عبقرية صالحة الى يومنا هذا إلا أن الرياضيات كان علما للنخبة لا يستيطع فهمه كل الناس
فكرة ايراتوستينيس على عبقريتها ودقتها الشديدة كانت بسيطة. في الحادي والعشرين من يونيو في معبد أسوان وقت انتصاف النهار لا يكون هناك ظل للأعمدة القائمة. بينما في الاسكندرية هناك ظل. كل ما قام به هو قياس زاوية الظل هذه في نفس اليوم والوقت. والنتيجة كانت تاريخ
لو كانت الأرض سطحت فان زاوية سقوط الاشعة ستكون متساوية في كل نقطة على وجه الارض؟؟ حقيقة بسيطة لكنها تحتاج إلى ذكاء وقدرة على التفكير المجرد. وهذا ليس بمتناول الكل
وبقياس زاوية السقوط في يوم محدد من السنة في مكانين مختلفين معروفة المسافة بينهما على نفس خط الطول استطاع حساب نصف قطر الأرض وبدقة عالية وبطريقة تعتبر من افضل الطرق العلمية لاثبات كروية الأرض وحساب نصف قطرها الى يومنا هذا.
طبعا استطاع الكثير بعد ذلك حساب قطر االارض بطرق أخرى كاستخدام اقصى مدى تصل اليه العين المجردة وغير ذلك
لكن هذا دليل رياضي لا يفهمه إلا النخبة
وطلبك من العامة أن تفهم دليلا رياضيا كمحاولتك تعليم الشيمبانزي اصول المعادلات التفاضلية
ليس كل الناس تمتلك القدرة الذهنية على فهم ذلك ولكن كلها وبالاجماع تمتلك القدرات الذهنية اللازمة للايمان بالغيب. إنه صفات أساسية للإنسان. إنها صفات تجعل من الهوموسابينس هوموسابينس
القدرة على الايمان الاعمى غيبا والميل لها هو أمر من جوهر الطبيعة البشرية. لا يعني ذلك باية حال من الأحوال أنه صحيح ولكنه يعني أنه أساسي لنا لا يمكن أبدا التخلص منه إلا بطفرة جينية تحول الهوموسابينز إلى نوع جديد
عندما انتشرت المسيحية وانحسر علم الاغريق نسي الناس انجاز ايراتوستينيس وأصبحت حساباته في طي النسيان وانتشرت فكرة التوراة عن الأرض والسماء حتى عاد العلم بعد ذلك بقرون طويلة
ظلت البشرية بمختلف ثقافاتها تؤمن أن الصرع هو مس شيطاني يتخبط الانسان. صرنا اليوم نعرف أنه مرض عضوي ينتج عن خلل تحكم السينابس العصبي بتدفق النبضات الكهربائية في الدماغ
الإيمان الغيبي والصرع
كانت فكرة المس الشيطاني عبارة عن إيمان غيبي. لكنها لم تأت من فراغ. يحتاج الايمان الغيبي في معظم الأحيان الى قرينة. الى تفسير ظاهرة معينة
يميل الإنسان بسبب غلبة التفكير الحسي على التفكير المجرد عند غالبية الناس إلى التفكير بمبدأ البعرة والبعير. لا بد لكل حدث من محدث. هذا مبدأ غريزي بسيط يعرفه حتى الريفي القروي غير المتعلم راعي الغنم أو حارس المزرعة. لا بد للانسان من محاولة اعطاء سبب للأحداث لأن هذه صفة جينية متعلقة بالبقاء فسميع حفيف الاشجار في غابة مظلمة وراءه حيوان مفترس. لا بد من تفسير وليس بالضرورة أن يكون صحيحا
عدم القدرة على فهم الصرع ولماذا يحدث ما يحدث اضطر الانسان البدائي الى تقديم إجابة سطحية بسيطة تولى تقديمها وعرضها نظام الكهانة المقدس للعامة المؤمنين على أنها مس من الشيطان يتخبطه
فكرة سطحية الأرض لم تأت أيضا من فراغ. بل هي نتيجة المشاهدة المباشرة بالعين المجردة. فالدماغ البشري لدى تفسيره لمدخلات العين البصرية لا يمكنه ادراك الانحناء اذا كانت درجة الانحناء صغيرة ويدركها على انها خط مستقيم. عقلية القروي الريفي تقول له أن الأرض مسطحة. وليس بمتناوله فهم الدليل الرياضي. إذن لا تحاول
التعقل والإيمان الغيبي
الى القرن السابع عشر ظلت البشرية تؤمن ان العقل والتعقل والفهم والادراك والحكم على الأمور وتمييز الحق من الباطل والصواب من الخطأ ومشاعر الحب والكراهية كلها تتم في القلب
كان القلب هو مركز العقل والتفكير والتحليل والاستيعاب والمشاعر. لم يقم ذلك الايمان بتحكم القلب من فراغ. بل نتيجة مدخلات حسية. وجزء كبير من إدراكنا هو خداع حسي. ولكن كل ما لزم الانسان للنجاة والبقاء كان هو هذا الخداع الحسي. عندما ننفعل تنشط الهيوبثالامس النظام العصبي المستقل بشقيه السيمبثاوي واللاسيمبثاوي. جزء من عمل هذا النظام هو افراز عدد من المواد تسمى بالكاتيكول امينس. هذه المواد تستطيع التاثير على القلب فيتغير معدل نبضاته ويتغير مقدار قدرته على الانقباض والانبساط. وهذا الامر يحفز مستقبلات حسية في القلب جعلنا نشعر بهذه التغيرات. ولذلك اقترنت هذه المدركات بادراك حسي في عضلة القلب جعلنا ننسب إليه ما ليس له
وإلى اليوم يمكنك أن تجد طبيبا بدافع ديني وعقائدي يدافع عن فكرة التفكير والتعقل بالقلب. لكن عندما يأتي إليه مريض يعاني من مشكلة في التعقل يقوم بفحص دماغه فقط. وعندما يأتي إليه مريض يعاني من خلل في الذاكرة يقوم بفحص دماغه فقط. لا يفكر اطلاقا بأية مشكلة في القلب. كما أنه يرى جلطات الدماغ تؤثر على التعقل والتفكر والفهم والذاكرة بينما جلطات القلب لا تؤثر بشيء. بل وأكثر من ذلك يرى مرضى تم استبدال قلوبهم بقلوب صناعية بلاستيكية ولم تتأثر قدرة الفهم والتعقل والتدبر بشيء ما زالوا قادرين على التفكير والتعقل والتدبر والفهم والحب والكره والرضا والسخط
لكنه ينفصم بشكل غريب عندما يتعلق الأمر بالايمان الغيبي ويشتغل في عالمين مختلفين تماما
هذا طبيب ويعرف فسيولوجي القلب والدماغ جيدا. فما بالك بشخص آخر لا يعرف شيئا من هذا؟
لكنها قوة الايمان الغيبي المرتبط بخداع حسي. ولا توجد قوة على الأرض اكبر من هذه القوة على الاطلاق
السرعة الثابتة والإيمان الغيبي
آمنت البشرية لقرون طويلة أن الشمس تأتي من المشرق الى المغرب كل يوم. لم تعرف البشرية الا من بعد جاليليو وكيبلر ونيوتن أن الشمس بالنسبة للأرض ثابتة وان ما نشاهده من حركة الشمس وجريانها من الشرق الى الغرب ليس الا كما نشاهد الأشجار تتحرك على جانب الطريق حينما نكون في قطار سريع يسير بسرعة ثابتة
نشأ هذا الايمان من خداع حسي. يدرك الدماغ البشري الحركة التسارعية بمساعدة سائل لزج في القنوات الهلالية في الاذن الداخلية. لدينا ثلاث قنوات متعامدة مع بعضها. حركة السائل في هذه القنوات يعمل على تحريك نهايات عصبية تسمى خلايا شعرية تقوم بدورها بارسال النبضات العصبية الى مراكز تحليلها في الدماغ
يتحرك السائل عند تغير السرعة أو التسارع. لكنه لا يتحرك عندما نكون في حالة سكون او حالة سرعة ثابتة غير متغيرة. وبما أن الأرض تدور بسرعة ثابتة بالنسبة لجهازنا العصبي فاننا نكون في حالة قصور ذاتي وندرك الحركة على انها حالة سكون
فنشعر أن الشمس تجري في السماء بينما في الحقيقة نحن على مركبة تجري بسرعة ثابتة في الاتجاه المعاكس
تماما كما نرى الأشجار تتحرك في الاتجاه المعاكس لحركة قطارنا المتحرك بسرعة ثابتة
عدم قدرة الجهاز العصبي على ادراك السرعة الثابتة ولد لدينا خداع حسي بثبات الأرض وقرارها وحركة الشمس وجريانها
هذا الخداع الحسي الذي يولد لدينا يقينا زائفا وايمانا أعمى راسخا . جزء جوهري نتج عنه الايمان بالخرافات كعرض جانبي. ولا يستطيع التغلب على الاستنتاجات الخاطئة التي يولدها إلا نخبة من الناس تتمتع بذكاء عالي وقدرة مميزة على التفكير المجرد
مثال تشبيهي
تأملوا القصة التالية
في أحد أدغال وسط افريقيا وفي منطقة تمتد من رواندا الى بروندي تعيش احدى قبائل الهوتو.
تؤمن هذه القبيلة الوثنية أن جدها الأكبر زولو كان يتخاطب مع السماء ويتلقى التعاليم مباشرة من الإله.
عاش هذا الجد قبل مئات السنين ولكنه أورثهم العظمة وجعل منهم سلالة مقدسة مرتبطة بالسماء وممتلكة للحق الإلهي. إنهم شعب الله المختار وأولياؤه المجتبون إذا أعدنا توصيفهم بلغة الشرق الأوسط
لا يمتلك أي شخص من افراد القبيلة دليلا على ما يؤمن به سوى أن شخصا قال له أن شخصا آخر قال أن شخصا آخر قال أن شخصا آخر قال ……………أن جدهم المقدس قال أنه تخاطب مع الإله
لم يسمع أحد منهم الإله وهي يوصل رسالته. فقط روي لهم أن شخصا قال أن الإله قال كيت وكيت وكذاوكذا
لا يوجد أي دليل سوى قوة الايمان الغيبي والتصديق الاعمى الذي لا تضاهيها اية قوة أخرى
بنظر الآخرين هناك تفسير اكثر منطقية واحتمال أكثر موضوعية لقصة جدهم: لقد كان يعاني من هلاوس سمعية ومن ضلالات عظمة
سمع صوتا يخاطبه من النار المشتعلة أو فوق الجبل الشاهق أو في المغارة العميقة. فعلا سمع. لكنه صوت لا يمكن لاي شخص غيره أن يسمعه لأنه نتاج نشاط عصبي في قشرته السمعية وحده لم يكن له أي محفز خارجي. هذا هو التعريف العلمي للهلاوس
وهذه الحقيقة تزيد القصة الإنسانية دراماتيكية وتراجيدية اكثر. فما يجعل النسب إلى هذا الشخص شرفا ومجدا للقوم يبدو لغيرهم كعار ومسبة فهم أبناء شخص مريض بينما يعتقدون انفسهم سلالة شخص إلهي يحمل روح الإله
فبينما يرى سليل زولو نفسه من الشعب المختار ينظر اليه الآخرون على أنه سليل مشعوذ ما زال يؤمن بالخرافة
وبينما يرى ذلك شرفا يراه الآخرون مؤشرا على غبائه وتخلفه وسذاجته
لكنه وقود كافي لافراد القبيلة ومن صدقهم ليجعلهم يحملون السلاح ويهاجمون قبائل التوتسي ويمارسون ضدها الجهاد المقدس ويحرصون على إبادتها عن بكرة ابيها وهم يؤمنون أن تلك الجرائم الإنسانية هي قمة الإنسانية وذروة الاخلاق وفضيلة الفضائل بل ويتقربون بها كعبادة لإلهم وتطبيقا لمنهج جدهم المقدس
ساهم في تبديد الخرافة
إعلانات- Advertisements

ملاحظة : الوثنخاف مصطلح لتسمية الإله الإبراهيمي. ويتكون من شقين الأول وثن وتعني كائن تخيلي يتم افتراضه وتخيله ثم اقناع النفس بوجوده. وهو كائن أخرس ابكم أطرش اصم لا يستطيع أن يقول حتى كلمة بم. والشق الثاني خفي. وتعني غير مرئي وذلك لتمييزه عن الأوثان المرئية مثل هبل والعزي ومناة الثالثة الأخرى
شارك الآن إن لم تكن قد فعلت من قبل في إحصائية اللادينيين
نزل الجزء الثاني من ذهان النبوة مجانا
التبرع للموقع
اضغط أدناه إذا أحببت التبرع للموقع عبر الباي بال او بطاقة الاعتماد
