أعذبهم ويوفيهم – ارتباك الضمائر
لا يمكن إخفاء اضطراب التواصل اللفظي في القرآن ولا يمكن أبدا تبرئته من الشذوذ اللغوي الذهاني. لكن الأهم أن خلل التواصل اللفظي يشير ايضا إلى عرض آخر اشد وهو الهلاوس السمعية
ذهان النبوة هو اضطراب عقلي كأي اضطراب ذهاني آخر يعاني فيه المريض من وهم العظمة والاصطفاء فهو من وقع عليه اختيار السماء ليكون أهم شخصية في الكون بعد الله إن لم يكن أهم من الله نفسه. وفيه يسمع المريض أصواتا لا يسمعها غيره ويرى أشياء لا يراها غيره
ولغة المذهون تفشي الكثير من الأسرار وتشي بالعديد من العلامات. كل ما تحتاجه كشخص باحث عن الحقيقة هو أن تتحرر من تاثير عواطفك ورغبتك وهواك وتفحصها بشكل موضوعي لا تحيز فيه مسبقا ولا افتراضات مسبقة ولا وقوع في اسر الملقنات المبكرة التي لقنوك إياها صغيرا وغسلوا بها دماغك منذ نعومة أظفارك.
ارتباك الضمائر
والسجعية التالية توضح لنا شذوذا لغويا منتشرا بكثرة في سجعيات القرآن وهو ارتباك الضمائر. يقول الساجع
فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58)
بدأت السجعية تتحدث بصيغة المتكلم أعذبهم ثم قفزت إلى التكلم بصيغة الغائب يوفيهم وكأن المتحدث في السجعية الثانية شخص مختلف يشير إلى المتحدث في السجعية الأولى. فلو فرضنا أن الله هو الذي قال أعذبهم في السجعية الأولى فإنه لم يعد هو من يتحدث في السجعية الثانية بل شخص آخر يشير إليه بضمير الغائب ويقول الذي كلمكم في السجعية الأولى سيوفيهم أجورهم. ويزداد الطين بلة في السجعية الثالثة حين يظهر لنا أن الله عاد للتحدث مرة ثانية لكن ليس وحده هذه المرة بل معه عدة أشخاص آخرين يتلون القرآن على الساجع ويقولون نتلوه عليك نحن.
ما تفسير اضطراب الضمائر هذا
إذا تخلصنا من كل الافتراضات المسبقة ورفضنا كل الادعاءات التي لم تبرهن ووضعناها في خانة قبولها للصحة والخطأ بشكل احتمالي متساوي فنرى الحقيقة واضحة.
الساجع سمع صوتا يكلمه مباشرة. الشخص الذي يسمع صوتا يخاطبه ولا يسمعه أحد غيره يسمى في الطب النفس هلاوس الشخص الثاني . هلاوس الشخص الثاني إما أن تخاطب المريض مباشرة بعبارة أنت كقوله : ما أنت بنعمة ربك بمجنون. أو تحدثه شخصا لشخص عن اشياء أخرى مثل قوله : قصصنا عليك من قبل أو مثل قوله في السجعية الأولى الذني كفروا أعذبهم.
هذا الصوت في السجعية الثانية تغير. حل محله صوت آخر. ما زال نوع الهلاوس هو هلاوس الشخص الثاني حيث يخاطب الصوت الساجع مباشرة لكنه يشير إلى صاحب الصوت الأول الذي قال أعذبهم بضمير الغائب : يوفيهم. الذين آمنوا يوفيهم.
وفي السجعية الثالثة صار الساجع يسمع عددا من الاصوات تتحدث عن نفسها بصيغة الجمع : نتلوه عليك. ما زالت الهلاوس هي هلاوس الشخص الثاني. لكن الشخص الأول تغير ثلاث مرات. في الأولى كان شخصا قادرا على التعذيب فقال أعذبهم. غاب في السجعية الثانية وظهر مكانه صوت آخر يشير إليه بصيغة الغائب ويقول يوفيهم. ثم ظهرت عدة أصوات تقول نتلوه عليك.
أصوات مؤنثة
وبتأمل سجعيات أخرى وقرائن إضافية يتضح لنا أن الساجع كان يسمع عددا من الأصوات الأنثوية.
هذا الفهم وصل لأهل مكة الذين كانت العربية الاصلية لغتهم الأم. فقالوا له لماذا الملائكة إناث؟ ذلك لأنه كان يقول أن سجعياته أوصلتها الملائكة. واي شخص يجيد لغة السجعيات سيجد أنه يتكلم عن إناث. قال الساجع : والملقيات ذكرا. الملقيات هنا جمع مؤنث سالم. وجمع المؤنث السالم يخص المؤنث تأنيثا بيولوجيا ويكون عاقلا. لا يمكن قوله عن المؤنث لفظيا فقط ولا عن غير العاقل. للمؤنث لفظيا ولغير العاقل تؤنث الصفة بالافراد : الخيل المسومة وليس المسومات الإبل خلقت وليس خلقن الجبال رفعت وليس رفعن وهكذا. ولأنه قال الملقيات ذكرا وليس الملقية ذكرا وصلت المعلومة للمستمع. وتكرر ذلك معه كثيرا : التاليات ذكرا. مرة أخرى جمع مؤنث سالم التاليات وليس التالية
عندما واجهته قريش بتأنيثه للملائكة اعترض من باب كيف يكون لله الإناث ولكم الذكور. وكأنه كان يعاني من فكرة في دماغه عن الملائكة وهي أنهن بنات الله. فقام بمقارنتهن بأولادهم ونسلهم. ألكم الذكر وله الأنثى؟ ورغم أن ذلك جاء في سياق الإنكار لكنه يشي بما دار في راسه. كما أنه رفض أن تكون الملائكة إناثا ولم يقل لماذا يؤنثها بجمع مؤنث سالم؟ قال عن الملائكة ايضا الفارقات أمرا. لم يتوقف عن الحديث عنها بصيغة التأنيث البيولوجي إلا بعد أن واجهته قريش فصار يذَكِّر الملائكة
لكن إلى جانب التأنيث ظهر الجمع. تبين هذه السجعيات أنه كان يسمع اكثر من كائن يتلو عليه ولذلك قال التاليات ذكرا. الملقيات ذكرا. ذلك نتلوه عليك. وهذا يوضح لنا لماذا في السجعية الثالثة عندما ذكر موضوع التلاوة ذكر أكثر من صوت يخاطبه بصيغة المتكلمين : نتلوه عليك. لقد يسمع أصواتا عديدة مؤنثة فظهر ذلك في تعبيراته والتقطه أهل مكة وقالوا له هل الملائكة بنات الله؟ يريدون أن يعرفوا لماذا يقول التاليات والملقيات. هم بطبيعة الحال لا يؤمنون أنه يتلقى اصواتا من الفضاء الخارجي ويقولون عنه مجنون لكن الفضول دفعهم لسؤاله عم يعني بقوله التاليات والملقيات والفارقات والمرسلات
مثل عيسى
إلى جانب ارتباك الضمائر في السجعيات السابقة ظهر في السجعية التي تليها مباشرة الارتباك الزمني حيث قال الساجع
إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ59
لا يخفى على أحد يتحدث العربية وملم بالعربية القديمة أن التعبير الصحيح هو كن فكان. لقد كان يتحدث عن شيء تم في الماضي السحيق ولا يجوز استخدام المضارع للحديث عن شيء تم ولم يبق له اثر. وقد أنشأ الكهنوت الوثنخافي الاسلامي جدليات كثيرة حول هذه السجعية وفرغ لها المفسرون صفحات لتبرير هذه السقطة ومحاولة تصويرها كتعبير بلاغي. وكان المفسرون قد رقعوا تعبير الساجع بالماضي عن المستقبل بأنه لتوكيد الحدث. لكن استخدام المضارع للتعبير عن الماضي أعياهم ولم يتيسر لهم ترقيعه بسهولة. الطبري فضل أن يفسرها بالعودة للتعبير الصحيح وتجاهل لفظة فيكون حيث قال :
القول في تأويل قوله : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) }
يعني جل ثناؤه: إن شبه عيسى في خلقي إياه من غير فحل عندي، كشبه آدمَ الذي خلقتُه من تراب ثم قلت له:”كن”، فكان من غير فحل ولا ذكر ولا أنثى. يقول: فليس خلقي عيسى من أمه من غير فحل، بأعجب من خلقي آدم من غير ذكر ولا أنثى، وأمري إذ أمرته أن يكون فكان لحمًا. يقول: فكذلك خلقى عيسى: أمرتُه أن يكون فكانَ
الذين حاولوا ترقيعها قالوا كلاما لا يفهمونه حتى هم. أما الرأي المنطقي فهو أنهم أدركوا الخلل وانبروا لإصلاحه وكان أمامهم خياران : إما أن يعترفوا أن هذه سقطة لغوية وبالتالي يصبح القرآن ليس كلام الله كما يؤمنون بذلك غيبا لأن الله لن يسقط لغويا. وهذا الخيار غير ممكن بسبب افتراضهم المسبق أن الله هو من ألفه. والخيار الثاني أن يحاولوا ترقيعه واقناع أنفسهم أنها بلاغة لم يصلوا بعد لمستوى فهمها لأنها إلهية. وهذا فعلا ما اختاروه
أما حدوث هذا الشذوذ اللغوي الذهاني في لغة الساجع فمرده إلى سببين : الأول هيمنة الجرس اللفظي على لغة المذهونين وخضوعهم لتحكم السجع بالمعنى حيث أن لفظة يكون تناسب القافية في هذا المقطع عكس لفظة كان. والسبب الثاني هو أن الذهان يسبب خللا في إدراك المريض للفواصل الزمنية للأحداث فيختلط عليه الماضي بالحاضر بالمستقبل ويصعب عليه الحفاظ على الحدود الفاصلة بينها
الخلاصة
اضطراب الضمائر شذوذ لغوي ذهاني شائع وينتج بسبب طبيعة الهلاوس السمعية التي تكون بصيغة الشخص الثاني أو الثالث وتتغير باستمرار ويزيد عدد المتكلمين وينقص. ومن أمثلة هلاوس الشخص الثالث في سجعيات محمد قوله إنه لقول رسول كريم. كان هذا صوتا يتحدث عنه. وقد احتار المفسرون في هذه السجعية كثيرا لأنهم ببساطة لا يمكن أن يفهموا القرآن بدون فهم اضطراب مؤلفه. ومنها قوله : رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة. وقوله : عبس وتولى أن جاءه الأعمى. حيث بدأت الأصوات تتحدث فيما بينها عنه بصيغة الغائب. وهذه هي هلاوس الشخص الثالث. ثم انتقلت بعد ذلك إلى هلاوس الشخص الثاني : وما يدريك
ساهم في تبديد الخرافة
إعلانات- Advertisements

ملاحظة : الوثنخاف مصطلح لتسمية الإله الإبراهيمي. ويتكون من شقين الأول وثن وتعني كائن تخيلي يتم افتراضه وتخيله ثم اقناع النفس بوجوده. وهو كائن أخرس ابكم أطرش اصم لا يستطيع أن يقول حتى كلمة بم. والشق الثاني خفي. وتعني غير مرئي وذلك لتمييزه عن الأوثان المرئية مثل هبل والعزي ومناة الثالثة الأخرى
شارك الآن إن لم تكن قد فعلت من قبل في إحصائية اللادينيين
نزل الجزء الثاني من ذهان النبوة مجانا
التبرع للموقع
اضغط أدناه إذا أحببت التبرع للموقع عبر الباي بال او بطاقة الاعتماد
