artists sculpting clay into a statue

الأديان وفخ الإدراك الحسي

تطور الدماغ البشري لدرجة مكنته من التفكير في كيفية ظهور الأشياء والتساؤل عن كيفية مجيء الكون والحياة. لكن القدرة على التفكير المجرد العميق لم تظهر إلا عند قلة من البشر بينما خضع عامة الناس للإجابات السطحية الساذجة الناتجة عن الاستنتاج الحسي المباشر.

عندما يرى الإنسان البدائي خيمة يستطيع تصور شخص قام بزرع أوتادها وتثبيت قماشها. وإذا رأى كومة أحجار مبنية يستطيع أن يتخيل كيف أن شخصا آخر قام بوضعها حجرا فوق حجر ورتبها بالشكل الذي يراه.

هذا نفس ما يمكن لشخص عادي استنتاجه عندما يرى سيارة. يمكنه تصور شخص صنع أجزاءها من المعدن ثم ركب هذه الأجزاء مع بعضها. ولذلك نرى الكثير من الدينيين ينشرون صورة سيارة ويسخرون من الإلحاد حيث يزعمون أنه يدعي أن هذه الأجزاء جمعت نفسها بنفسها أو صنعت نفسها بنفسها.

هذه الطريقة في تفسير الأحداث سمحت للإنسان القديم بوضع التساؤلات لكنها أوقعته في فخ الإجابات السطحية الخاطئة ومكنت معابد الكهنوت من استعباده وتطويعه وخداعه بمكافآت عدة بعد الموت إذا اتبع تعليماتهم التي أخبروه أنها جاءت إليهم عن طريق حيوانات مجنحة نزلت من الفضاء الخارجي وقابلتهم في المغارات وأحضرتها لهم على شكل سجع ألفه خالق الكون بذات نفسه.

هذه هي نظرية البعرة والبعير الشهيرة في أدبيات الكهنوت. يعتبرونها نظرية صحيحة ويقيمون عليها حجتهم على وجود وثنخاف اخترعوه من مخيلاتهم وخوفوا به عوام الناس من الدهماء واستخدموهم جنودا (لله) يخضعون بهم خصومهم ويستولون على السلطة والثروة.

فخ البعرة والبعير

نظرية البعرة قامت على فخ الإدراك الحسي. بينما الأشياء تكونت نتيجة لعمليات غير محسوسة لا يمكن معرفتها إلا بالعلم والدراسة. عندما رأى الإنسان البدائي جسمه وأجسام نظرائه لم يعرف أن هذا الجسم نتج عن شفرة جينية محفوظة على جزيء صغير من الحمض النووي يدخل في تفاعلات كيميائية وبيولوجية عديدة لينتج بروتينا أو انزيما يظهر بشكل مورفولجي لا يمكنه أن يوحي بما جرى. شكل وجهه لم ينتج لأن هناك من رتب أجزاءه المختلفة فوضع الأنف هكذا والعيون هكذا ورسم الحواجب بهذه الطريقة كما ترتب أجزاء السيارة بل لأن هناك نظائر جينية محددة تتفاعل مع بعضها ومع المواد المحيطة.

لون بشرته لم يحدث بسبب أن هناك كائنا مزج الألوان بطريقة معينة بل لأن هناك شفرة جينية محددة مسؤولة عن مادة لا تدرك ولا تحس بجهاز الإنسان البدائي العصبي ينتج عنها موج طولي معين للضوء يجعله يدرك لون البشرة كما يدركه.

الكتب المقدسة والإنسان

لهذا السبب ظهرت فكرة خلق الإنسان ساذجة في كل الكتب المقدسة. لم يتمكن أي نبي ديني من الإشارة إلى أن الإنسان الأول نتج عن طريق شفرة جينية. وبدأ كخلية صغيرة. واحتوت الشفرة الجينية على كودات النمو والتكاثر والتمايز ونمو الأجهزة المختلفة والأعضاء. وخلية فوق خلية وجهازا فوق جهاز حتى نتج أول بشري.

هذه عملية كامنة خلف التكوين. لا يمكن إدراكها بالحواس وفق فرضية البعرة والبعير. احتاجت للعلم والدراسة والبحث عبر الأزمان وهو أمر افتقدته كل الأديان.

محاولات الإنسان البدائي لتفسير الخلق

على عكس معابد الكهنوت سواء الوثنيات التي وحدت الأصنام كلها في وثنخاف واحد كاليهودية والمسحية والإسلام أو الوثنيات التي اعتمدت عدة أوثان ظاهرة أو مخفية ظهرت جماعات في اليونان القديم بعضها لاديني وبعضها ديني استطاعت أن تتجاوز حاجز الإدراك الحسي وشعرت أن أسرار الكون قد تكن كامنة في الرياضيات. واستطاعت الوصول لبعض النتائج لكنها ظلت بعيدة عن معرفة الآليات الكامنة خلف الاشياء.

افترض الأغريق أن الإنسان كغيره نشأ من أربع مواد ظنوا أنها عناصر أساسية. نعرف الآن أنها ليست عناصرأساسية بل مركبات. هذه المواد الاغريقية الأساسية هي التراب والماء والنار والهواء. وما زالت موضوعا خصبا للكهنوت والشعوذة

أخذت الوثنخافيات الإبراهيمية بداء من اليهودية ومرورا بالإسلام وصولا للقاديانية والبهائية هذه الفكرة الإغريقية الخاطئة واعتنقتها وجعلتها هي الصحيحة في تفسير ظهور الإنسان: كان هناك كائن قادر على الخلق (وثن خفي افترضته اليهودية كرب للعبرانيين ,وأب لهم بادئ ذي بدء). هذا الكائن الخفي خلق الإنسان من تراب. اضاف الماء فصار طين (تراب + ماء). خلق الإنسان من طين لازب إذن. لكن لا بد أن يجف هذا الطين ويصبح فخار فما الوسيلة. النار. حمأ مسنون. سيصبح الطين حمأ مسنونا باستخدام عنصر النار. وماذا بعد؟ العنصر الرابع : الهواء. نفخنا فيه من روحنا. الروح أو النفس.

الروح لفظة آرامية الأصل وهي تعني الهواء ايضا. وفي العبرية رواخ تعني الروح والريح. وفي العربية الروح من الريح. والنفْس من النفَس وهو الهواء الذي يدخل في الرئة عند التنفس.

الروح تم نفخها لأنها العنصر الرابع. الهواء ينفخ نفخا.

لاحظوا كيف وقعت الوثنيات الإبراهيمية ذات الوثن الواحد الخفي (هي وثنيات موحدة على عكس الوثنيات المعددة) في فخ الإدراك الحسي. مثلما يتخيل الإنسان العامي السيارة وكيف أنها صنعت من المعدن وجمعت أجزاؤها مع بعضها جاهلا تماما لفيزياء الحركة ومعادلاتها التي نتج عنها التصميم واختراع المحرك وعملية تحويل الطاقة من حرارية إلى حركية وحسابات عزم الدوران والتورك وغيرها تخيل مؤلفوا الكتب المقدسة عملية خلق الإنسان : تراب ثم ماء ليصبح طينا ثم نار ليصبح صلصالا كالفخار أو حمأ مسنونا ثم نفخ العنصر الرابع ليبدأ في الحركة.

من الوثنيات المعددة للوثنيات الإبراهيمية الموحدة

إذا أخذنا القرآن كممثل للوثنخافيات الموحدة نجده يسهب في إيمانه بهذه الفرضية الإغريقية الخاطئة التي اعتقنها مؤلفوا التوراة وعنهم نقلها مؤلف القرآن:

التراب

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ

إضافة الماء

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ

إضافة النار

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ

خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14)

الهواء

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ

لاحظوا انزعاجه من تساؤلاتهم وطلبهم للبراهين: ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ

كان رأسه ينكسر من التساؤلات. لا يريدهم أن يجادلوه.لا يريدهم أن يطلبوا أدلة وبراهين أو آيات كما يسميها. يريد فقط أن يصدقوه بشكل عمياني. هذا الانزعاج ذكر في القرآن إلى درجة أن مؤلفه فكر بقتل نفسه بسبب طلب الناس لآية أو دليل ورفض تصديقه بشكل عمياني : لعلك باخع نفسك – البخع قتل النفس عن طريق ذبح الرقبة

لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً

لم يعرف أبدا مؤلف القرآن الآلية الصحيحة الكامنة خلف تكوين الإنسان. لذلك لم يكن قادرا بناء على الفرضية الطينية تفسير اختلاف الأشكال. ولماذا هناك شبه بين الشخص وأبويه. ولماذا الآسيويون لهم شكل مميز. والافارقة لهم شكل مميز. والعرب لهم شكل مميز.

ولماذا يولد توأمان برأس واحد. أو برأسين ملتصقين.؟

ولماذا هناك أمراض وراثية؟

ولماذا هناك عيوب خلقية؟

فشل مؤلف القرآن في تفسير هذه الأمور لأنه اعتنق الفرضية الطينية التي تقول أن هناك مصمما خفيا يصورهم في الأرحام كيف يشاء. لم يعرف أبدا العمليات الصحيحة الكامنة خلف تكوين الإنسان.

مثل مؤلف القرآن كمثل شخص عادي يستخدم تطبيقا على جواله فيعتقد أن شكل التطبيق الظاهر تم تصميمه كما ترسم الاشياء على ورقة وتم تلوينه وتحديد ملامحه. ولا يعرف أن أي شيء من هذا لم يحدث. بل هناك شفرة رقمية كامنة خلف العملية تقوم بتنفيذ ما يراه لحظيا دون أن يشعر بها.

على سبيل المثال لو عرض له التطبيق الشكل التالي لمنحنى التوزيع الطبيعي:

طبقا لفرضية البعرة والبعير هناك شخص عاقل قام برسم هذا واستخدام الألوان المطلوبة والخطوط المطلوبة ثم تم تصويرها بوسيلة تصوير محددة ثم وضعها في التطبيق.

لكن الحقيقة ليست كذلك. هذا الشكل المورفولوجي المدرك بحواسه نتج عن عملية كامنة لا يمكنه إدراكها بحواسه ولا يمكنه معرفتها إلا بالعلم الصحيح.

هذا الشكل نتج عن الشفرة الرقمية التالية:


def plot_pdf(mu, var, CDF=False): x = np.linspace(-50, 50, 1001) sig = var**0.5 P_norm = scipy.stats.norm.pdf(x, mu, sig) plt.plot(x, P_norm, 'b', linewidth=3.0, label = "PDF") if CDF == True: CDF_norm = norm.cdf(x, mu, sig) plt.plot(x, CDF_norm, 'r', linewidth=3.0, label = "CDF") y0 = (1/(sig*np.sqrt(2*pi)))*np.exp(-0.5) ym = 1/(sig*np.sqrt(2*pi)) plt.plot([mu-sig, mu-sig], [0, y0], 'm--',linewidth = 2.0) plt.plot([mu+sig, mu+sig], [0, y0], 'm--', linewidth = 2.0, label = '$\mu\pm\sigma$') plt.plot([mu,mu], [0,ym], 'g--', linewidth = 2.0, label = r'$\mu$') plt.title('PDF of N({},{})'.format(mu,var)) plt.xlabel('x') plt.ylabel('y') plt.legend() plt.show()

تغير حرف واحد في هذه الشفرة سينتج شيئا آخر أو يعطل العملية.

وبهذا التفكير البشري البدائي الخاطئ فهم مؤلف القرآن الأمور. تخيل كائنا وهميا قام بإيجادها بناء على مبدأ البعرة والبعير ولم يدرك قط العمليات الكامنة خلفها المختلفة كليا عما تصوره. سهولة وقوع الدهماء  في فخ الإدراك الحسي يوضح لنا بجلاء كيف نشأت الوثنخافيات الموحدة والمعددة ويمكننا فهم اقتناع الناس بمنطق البعرة والبعير رغم سخافته وتصديقهم للفرضية الدينية التي اعتقنها اليهود تأثرا بمحاولات الإغريق البدائية لتفسير وجود الأشياء.

ساهم في تبديد الخرافة

شارك المقال مع أصدقائك في تويتر

شارك المقال مع أصدقائك في الفيسبوك
HTML tutorial
شارك المقال مع أصدقائك في الواتسب

تطبيق اندرويد
Download@GooglePlay
حمل تطبيق الموقع من متجر جوجل

ملاحظة : الوثنخاف مصطلح لتسمية الإله الإبراهيمي. ويتكون من شقين الأول وثن وتعني كائن تخيلي يتم افتراضه وتخيله ثم اقناع النفس بوجوده. وهو كائن أخرس ابكم أطرش اصم لا يستطيع أن يقول حتى كلمة بم. والشق الثاني خفي. وتعني غير مرئي وذلك لتمييزه عن الأوثان المرئية مثل هبل والعزي ومناة الثالثة الأخرى

تعريف النبي : في الدين النبي هو شخص يسمع أصواتا لا يسمعها أي شخص طبيعي آخر حتى لو تواجد معه وقتها. ويرى اشياء لا يراها أي شخص طبيعي حتى لو تواجد معه وقتها. ويعتقد أنه المصطفى الذي يصلي عليه الله والملائكة. وهذا التعريف الديني للنبي يتوافق تماما مع التعريف الطبي للاضطراب الذهاني

شارك الآن إن لم تكن قد فعلت من قبل في إحصائية اللادينيين

إحصائية اللادينيين في الموقع

نزل الجزء الثاني من ذهان النبوة مجانا


التبرع للموقع


اضغط أدناه إذا أحببت التبرع للموقع عبر الباي بال او بطاقة الاعتماد


Donate Button with Credit Cards

Leave a Reply

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

%d bloggers like this: