كوننا الأزلي – ما قبل الانفجار العظيم
قبل وجود الإنسان لم يكن لفكرة الله أي أثر. بعد وجود الانسان اخترع فكرة الآلهة. وعندما ينقرض الانسان ستنقرض معه كل الآلهة. قبل حوالي مائة ألف سنة لم يكن لله أي وجود. بينما كان الكون دائما هناك بصورة أو بأخرى على شكل مادة بعد الانفجار العظيم أو على شكل طاقة قبلها
ما قبل الانفجار العظيم
اذا انطلقنا من نظرية الانفجار العظيم لتفسير تاريخ الكون فاننا نواجه سؤالا كبيرا جدا وهو من تسبب بالانفجار العظيم. كل الانفجارات التي نلاحظها على الأرض او في أعماق الفضاء تتضمن تبعثرا عنيفا للمادة الفيزيائية. فاذا كان كوننا بدأ بانفجار عظيم فمن أين وجدت المادة الفيزيائية اللازمة للانفجار؟
(الانفجار العظيم ليس انفجارا بالمعنى الحرفي بقدر ما هو قفزة كمومية تحولت فيها الطاقة إلى مادة ثم تمدد الزمكان)
او بعبارة الفيلسوف مورتيمر ادلر لماذا كان هناك شيء بدلا من لا شيء؟
,وقد لقي هذا السؤال الفلسفي حظوة كبيرة لدى رجال الدين ومؤسسة الكهنوت الابراهيمي
ومن قبل ظهور نظرية الانفجار العظيم كان هناك إجابة كهنوتية للوجود
منذ أيام توماس اكيناس في القرن ال13 وربما قبل ذلك بكثير تبنى رجال الدين فرضية السبب الأول كتفسير لوجود الكون
ورغم ان رجال الدين يؤمنون بخالق ازلي اوجد نفسه بنفسه وتكون تلقائيا إلا انهم يتحمسون كثيرا لهذه الفرضية وينتهكون السبب الأول فيها
مضمون فرضية السبب الأول هو ان هناك قانونا في الكون هو قانون السبب والنتيجة. كل شيء هو نتيجة لشيء آخر سببه أي كل شيء يحتاج سببا يفسر وجوده. وكل سبب بالمقابل هو بنفس الوقت نتيجة لسبب آخر. واذا رجعنا عكسيا في هذه السلسلة فسنصل الى السبب الأول والذي يسميه الدينيون الله او يهووا او يسوع او كريشنا او أي شيء آخر
هل فعلا هناك قانون كوني كهذا؟ في العلم لا يوجد ولكن في الادبيات الثيولوجية للكهنوت الديني هذا هو أهم قوانينهم وتم افتراضه افتراضا
تاريخيا قام البعض بالرد على هذه الفرضية بالسؤال الشهير: ومن اوجد الاله؟؟ ما هو السبب الذي يفسر وجود الاله؟ وكان الجواب الجدلي المعروف وهو ان الإله أوجد نفسه بنفسه من العدم وبشكل تلقائي.
رغبة قانون
وكان الرد على دعوى إيجاد الاله لنفسه بنفسه تلقائيا يتكون من حجتين
1.اذا استطعنا ان نفترض ان الاله كان دائما موجودا فلماذا لا نستطيع ان نفترض ان المادة الفيزيائية كانت دائما موجودة وازلية؟ ما دام هناك شيئ ما يستطيع التكون التلقائي من العدم فما المانع؟
-
اذا كان الاله ازلي فان هذا يناقض مقدمة الفرضية وهي ان كل شيء يحتاج لسبب يوجده وبالتالي فهذا القانون ليس دائما صالحا للتطبيق ووجود استثناء واحد فقط يكفي لنقض كونه قانونا صحيحا
اذا صيغ القانون بشكل آخر وهو ان كل شيء يحتاج لسبب يفسر وجوده باستثناء الاله فان حجة السبب الأول تصبح انتقائية وفوضوية وغير مقبولة منطقيا
يصبح هذا رغبة قانون وليس قانونا حقيقيا. ليس قانونا تمت برهنته ثم تم اكتشاف وجود استثناء وتعديله أو الغاؤه. بل تم افتراض الاستثناء أولا دون برهنته ثم تم تفصيل القانون ثانيا بعد ذلك على مقاس هذا الاستثناء. وبالتالي هذا مجرد رغبة تتحايل على البرهان وبدل أن يتم اثبات المطلوب برهنته يتم افتراضه افتراضا ثم يستخدم الافتراض كبرهان. وهذا يخرجه تماما من أهلية حتى النظر فيه والتفكير بمحتواه
ولأنه رغبة قانون وليس قانونا صحيحا نجد أنه مختل. فهو لا ينفي وجود عدة أسباب أولى متفرعة افقيا. هو صمم ليمنع وجود سلسلة عمودية لا نهائية من الخالقين بحيث الخالق له خالق وخالق الخالق له خالق وهكذا إلى ما لا نهاية.لكنه لا يمنع وجود خالق موازي ليس له خالق.ا لأنه لا يبين الظروف التي سمحت للسبب الأول بايجاد نفسه بنفسه وبالتالي لا يوجد أي مانع لسماحها بوجود كائن آخر مثله خلق نفسه بنفسه. لا يقدم القانون أي مانع. في الحقيقة ما دام أن القانون افترض السبب الأول افتراضا فإنه يمكن طبقا لهذا القانون نفسه افتراض وجود عدد لانهائي من الاسباب الأولى. أو إذا أردت عدد نهائي : اثنين ثلاثة أربعة. فقط حط الرقم الذي يناسبك
ومثلما أن هذا القانون لا يمنع وجود كائنات أخرى موازية أفقيا فهو ايضا لا يمنع وجود سلسلة عمودية أطول إذا كانت نهائية. تم تفصيل القانون بحيث أنه قبل الكون يوجد كائن آخر في السلسلة أوجد نفسه بنفسه من العدم. وحتى لا تصبح السلسلة لا نهائية تم التوقف عند هذا الكائن. لكنه لا يمنع وجود سلسلة عمودية نهائية. فمثلا الكائن الذي أوجد الكون له خالق أوجده. وهذا الخالق الثاني هو نهاية السلسلة حيث هو الذي أوجد نفسه بنفسه تلقائيا من العدم. ويمكن افتراض كائن ثالث. كما يمكن جعل السلسلة تصل إلى عشرة. أو إلى أي رقم تحب ما دام رقما محددا وليس ما لا نهاية. وذلك لأن هذا ليس قانونا حقيقيا بل رغبة قانون. ولم يقم على البرهان والدليل بل على الافتراض والجدل والمراء. ومثلما افترضت رقم واحد يمكن افتراض رقم 2 أو 3 أو 4. كله افتراض
هذا قانون رغبوي مفصل حسب الهوى على مقاس فرضية ثيولوجية محددة قامت بمصادرة المطلوب اثباته وافترضت صحة الدعوى دون برهنتها
بمعنى آخر, نحن نعود لنفس النقطة التي بدأنا منها ولا يحصل أي تقدم في جدلنا المنطقي ولا في فهمنا للكون
بدون برهنة الدعوى ووبعملية افتراضها بدلا من اثباتها يصبح لدينا جدلا عقيما وباطلا
هذا الجدل القديم العهد مع او ضد السبب الأول هو مجرد جدل فلسفي وديني ولا يخضع لاية أبحاث او قواعد علمية محددة
قوانين الفيزياء
يحاول رجال الدين تقمص ثوب العلم في أيامنا هذه عن طريق تحدثهم عن القوانين الفيزيائية التي تحكم الكون وعن الاعجازات العلمية في محاولة منهم لكسب الاحترام الاكاديمي
ويطلعون لك بين الفينة والفينة بالايحاء بوجود خالق للقوانين الفيزيائية التي تحكم الكون
ولانهم إما لا ينتمون للمجتمع العلمي أو تحت تأثير معتقداتهم البدائية فهم يقعون في خطأ جسيم
الكون لا تحكمه قوانين الفيزياء بالفهم الذي يتبناه الكهنوت. دعوني اشرح هذا الخلط السيمانتي قليلا هنا قبل الدخول أكثر في الموضوع
القوانين الفيزيائية نعرفها ببساطة علميا على انها الوصف البشري لآليات سلوك الكون الثابتة.فنيوتن مثلا بقانون الجاذبية اسطاع التنبؤ بمدارات الكواكب ومندل استطاع التنبؤ بصفات الاجنة عن طريق قوانين الوراثة.وكل هذه القوانين آلية التنفيذ قوتها نابعة من خواصها الكامنة وليس من طرف قوة خارجية
كلتا النظريتين ( الجاذبية والوراثة) خضعتا للتعديل لاحقا بمعنى ان هذين القانونين كانا وصفا بشريا لسلوك الطبيعة قابل للتنقيح في المستقبل
ولكن رجال الدين يتجاهلون هذا التعريف العلمي ويدعون أن الكون تتحكم فيه قوانين الفيزياء
فقانون الجاذبية مثلا يتسبب بسقوط الأشياء الى الأرض وقوانين الكيمياء تتحكم في التفاعلات الجزيئية. مثل هذا الادعاء_ أن الكون تحكمه قوانين الفيزياء_ يعكس سوء فهم جوهري للعلم من قبل رجال الكهنوت
فيرنسايد و هوثلر يوضحان هذا الفهم الخاطئ بمثال بسيط: لنفترض ان مراسلا صحفيا قام بتغطية مباراة كرة قدم وكتب تقريرا عنها. سيكون من السخافة ان نعتقد ان التقرير المكتوب من قبل المراسل كان السبب وراء النتيجة او تحكم بمجرياتها. وبنفس الطريقة يكون من السخافة ان نعتقد ان قوانين الفيزياء التي هي تقارير بشرية مكتوبة عن ملاحظات الانسان هي السبب في الظواهر الكونية الملاحظة
قوانين الفيزياء اختراع بشري. تفسير بشري لظواهر محددة
يشمئز منظروا الأديان من حقيقة ان القوانين الفيزيائية هي صنع بشري وبدلا من ذلك يحاولون ايهام اتباعهم ان القوانين الفيزيائية تكونت بشكل مستقل وبالتالي هناك من صنعها وهو الاله ليتحكم عن طريقها بسلوك الكون. يفعلون ذلك مع انهم يعرفون ان من وضع معادلات الجاذبية وثابت الجاذبية هو نيوتن وليس الاله حيث تساوي القوة التي تجذب كتلتين الى بعضهما ق = ج*ك1ك1/ف^2 حيث ق قوة الجاذبية , ج ثابت الجاذبية ك1 و ك2 كتلة الجرمين المتجاذبين وف المسافة بينهما.
كل هذه القيم في قانون البشرية هي اختراع بشري. كل أجزاء قانون الجاذبية اختراع بشري. الكتلة والقوة والمسافة وقياساتها المتر والجم والنيوتن الخ
كما انهم يعرفون ان من وضع معادلات النسبية هو اينشتاين ومن وضع معادلة تكافؤ المادة والطاقة هو أيضا اينشتاين وليس الاله او الكتب المقدسة
وهذه المعادلات ما هي الا وصف بشري لظواهر ملاحظة وهي خاضعة كما اسلفنا للتعديل وحتى النقض والتخطيء
في الحقيقة اذا كانت قوانين الفيزياء هي اختراعات بشرية فان الحاجة للاله تصبح غير ضرورية ويصبح الانسان هو من اخترع قوانين التحكم في الكون
لكن الكون لا تحكمه قوانين الفيزياء بالمفهوم الذي يروجه الكهنوت أو يفهمه
لكن كوننا نعرف ان العلماء هم من اخترع قوانين الفيزياء لا يعني ان الكون ليس لديه حوادث سببية
لا يوجد عالم حقيقي يدعي ان الكون يتصرف بطريقة لا يمكن للبشر وضع قوانينها. بالعكس فان الغرض الحقيقي للعلم هو اكتشاف وفهم النظام والعلاقات السببية التي تعمل في ارجاء الكون. ولكن بالاعتقاد الخاطئ من منظري الدين ان قوانين الفيزياء تحكم الكون يتم القضاء على الحاجة لفهم العلاقات السببية الحقيقية. فاذا سالنا لماذا اذا رمينا شيئا في الهواء فانه بسرعة يعود ساقطا الى الأرض سيكون من السخافة ان نجيب انه قانون الجاذبية لان قانون الجاذبية هو الوصف البشري لشرح هذه الظاهرة اما السبب الحقيقي وراء الجاذبية بين الكتل المادية فما زال لغزا غير معروف الى الان كما هو الحال بالنسبة للمجال المغناطيسي وبالنسبة لشحنة الاكترون وشحنة البروتون وماهية هذه الشحنة كلها ما زالت مجالا للبحث العلمي الحثيث
صحيح ان اينشتاين قد أوضح ان الكتل المادية تشوه الزمان وتحدث تأثيرا جاذبيا ولكن لماذا تشوه الكتل المادية الزمكان ما زال سؤالا بلا جواب
وهكذا نجد ان فرضية السبب والنتيجة هو لعبة دينية وفلسفية وليس قانونا علميا
قانون أزلية الكون – قانون بقاء ثنائي المادة-الطاقة
بعد ان وضحنا فشل فرضية السبب الأول وقانون السبب والنتيجة سنشرح كيف أن العلم قد وضع أساسيات الإجابة منذ زمن طويل على سؤال ماذا قبل الانفجار العظيم؟
في القرن التاسع عشر عرف العلماء قانون بقاء المادة: الماة لا تفنى ولا تخلق ولكن يمكن ان تتحول من صورة الى أخرى. والقانون الآخر قانون بقاء الطاقة يقول ان الطاقة لا تفنى ولا تخلق بل يمكن ان تتحول من صورة من صور الطاقة الى أخرى
قانونان يتم تدريسهما في المرحلة الاساسية لكل طالب
اينشتاين في معادلته الشهيرة
E=m*c^2
وضح ان الطاقة والمادة هما صورتان لشيء واحد
وهذا أدى الى ان القانونين هما في الحقيقة قانون واحد وهو ان ثنائي الطاقة-المادة لا يفنى ولا يخلق ولكن يتحول من صورة الى أخرى
هذا يعني ان الكمية الكلية للطاقة-المادة في الكون مقدار ثابت لا يتغير. علاوة على ذلك, انت وانا والأرض والنجوم والذرات الصغيرة الكل مصنوع بكل معنى الكلمة من ثنائي الطاقة-المادة في صورها المختلفة. هذا القانون تم تأكيده بكل الدراسات والأبحاث العلمية منذ اكثر من 90 عاما وما لم يظهر اكتشاف علمي لاحق ينقض هذا القانون فانه يظل الحقيقة العلمية التي تفسر ظواهر الكون
خلال العقود القليلة الماضية استطاع العلماء وعلى راسهم ستفن هوكنج من كامبريدج توسيع معارفنا في هذا المجال عندما اكتشفوا ظاهرة “التذبذب الخوائي او الفراغي”
التي يحدث فيها تكون المادة مما كان يظن انه فراغ خالي تماما. لاحظ العلماء انه حتى في الفراغ الكامل perfect vacuum
تظهر ذبذبات كهرومغناطيسية عشوائية. هذه الذبذبات تمثل صورة من الطاقة نسميها الآن طاقة التذبذب الخوائي vacuum fluctuatin energy>
والتي يمكن تحويلها الى مادة
بتعبير آخر…. الفراغ الخالي يحتوي على طاقة (مظلمة – سالبة – طاقة الفراغ التام) بامكانها التحول إلى مادة بشكل تلقائي طبقا لمعادلة اينشتاين وبالتالي التكون التلقائي للمادة حقيقة علمية. طاقة الفراغ التام حقيقة علمية
في الفيديو التالي يشرح عالم الفيزياء النظرية لورانس كروس صاحب كتاب كون من لا شيء كيف يمكن علميا لطاقة الفراغ التام أن توجد الكون تلقائيا من لاشيء
وسواء استطاع عقلك استيعاب قانون بقاء الطاقة-المادة أو لا فهو حقيقة علمية وتخبرنا عن التالي
اذا كانت الطاقة-المادة لا تفنى ولا تخلق واذا كان الكون يتألف كلية من الطاقة-المادة بصورها المختلفة فان قانون بقاء الطاقة-المادة يعطينا النتيجة التالية المدهشة
: